عظيم الشعب السوري ومظلوم. عظيم لأنه ثار ويقاتل ويصمد منذ سنة ونصف. مظلوم لأنه وحيد، يدعمه الجميع بأقوى العبارات وأخف ما يمكن من الدعم. حتى الآن يقاتل الشعب السوري وصدره مكشوف، وسط خلل في موازين القوى بينه وبين النظام الأسدي، لا مثيل له. ممنوع على القوى الثائرة من السوريين أن يتسلحوا، تارة بحجة وجود مجموعات من القاعدة، وتارة من الخوف على الأقليات. في الواقع، كل الأطراف حليفة للثورة بالكلام، في حين يضخ حلفاء النظام أقصى ما لديهم وعندهم من وسائل سياسية ومالية وعسكرية. مهما صفت النوايا ومهما بلغ منسوب البراءة، فإن ما يجري هو مساهمة مباشرة أو غير مباشرة أو قبول بالعجز في تدمير سوريا. كأنه كُتب على سوريا الدمار حجراً حجراً، وان تغرق في ضعفها. مهما فعل السوريون يلزمهم أكثر من عشر سنوات بعد الاستقرار لإعادة بناء ما تهدم، والعودة لاعباً. العراق الثري بالنفط بالكاد بدأ يعيد ما تهدم، فكيف بسوريا الفقيرة التي استنزفها الأسد الأب والأسد الابن عندما جعلا من عائدات نفطها سراً أسدياً لا يعرف به إلاّ المنجّمون.
يكفي لمعرفة تدني تسلح الثوار السوريين مراقبة نوعية السلاح المتقدم والممتاز في طرابلس، والتخلف النوعي والكمي في سوريا. لو لم يكسر السوريون حاجز الخوف منذ أشهر طويلة لما صمدت الثورة أسبوعاً واحداً.
مصيبة هذه الثورة في سوريا ليس فقط الخبث المرتفع غربياً وعربياً وانما أيضاً في تدني مستوى المعارضات السورية سياسياً وأحياناً أخلاقياً، كإن قيادات هذه المعارضات من كوكب آخر غير سوريا. لو كان لدى قيادات المعارضات السورية مقدار ذرة من الإخلاص للثورة أكثر مما لديهم من الحب لذاتهم ومواقعهم لما غادروا أي قاعة تجمعهم إلا وهم موحّدون ولو في مجلس موسع حول الحد الأدنى مما هو مطلوب لإنقاذ سوريا. تشرذم المعارضة السورية قاتل. سبق وان خسرت الثورة السورية ضد فرنسا بسبب تشرذم قياداتها ومحاصرتها أيضاً من الخارج، فانتصرت فرنسا عسكرياً إلى حين تغير الأوضاع الداخلية والخارجية.
انتهاء العطلة الصيفية في العالم، خصوصاً في أوروبا، أعاد تنشيط الأجواء السياسية، ووضع الملف السوري على الطاولة. باريس تبدو متحمسة للقيام بمبادرة. الرئيس فرنسوا هولاند يريد لكنه لا يقدر. إعادة السيناريو الليبي الذي نفذه سلفه نيكولا ساركوزي، شبه مستحيل. الجيش السوري موجود وهو في جانب منه ما زال قوياً قادراً على إلحاق خسائر في أي قوة ضاربة في زمن اعتاد فيه الغرب على صفر ـ خسائر. فرنسا وأي دولة أوروبية حليفة معها غير قادرة على التدخل في سوريا. يجب أن تقود الولايات المتحدة الأميركية أي حملة عسكرية، وهي ليست في وارد القيام بذلك، لأن الحملة الانتخابية الرئاسية بدأت، ولأن روسيا لن تقبل أي عمل عسكري خارج الأمم المتحدة، التي تمسك بمفتاح قرارها. الفيتو جاهز طالما أن الحل لا يرضيها.
يجب تقطيع الوقت وملء الفراغ طوال الشهرين القادمين أي إلى حين انتهاء الانتخابات الأميركية. بعد ذلك إذا أعيد انتخاب أوباما يصبح حراً وقادراً على اتخاذ القرار المناسب، أما إذا ربح رومني فإنه يجب انتظار شهرين إضافيين للتعامل مع التشدد الجمهوري المعروف. في هذه الأثناء لن تقف فرنسا مكتوفة الأيدي. من الواضح انها ستتتحرك سياسياً وديبلوسياً. تستطيع فرنسا لعب دور رئيسي وفاعل مع المعارضات السورية على غرار ما فعلته بريطانيا مع المعارضات العراقية قبل الغزو الأميركي. على الأقل يمكن لباريس دفع المعارضات السورية للانضواء في مجلس موسع يتفق أعضاؤه على الحد الأدنى الذي يسمح بوحدة كلمة الثورة في الداخل والخارج معاً، فتسقط حجج كثيرة تحول دون دعمها سياسياً وعسكرياً.
أيضاً تركيا التي تراجع دورها كثيراً طوال الأشهر العشرة الماضية، تبدو وكأنها تتوثب للعودة بقوة إلى الواجهة. يمتلك رجب طيب أردوغان الأسباب الكافية لتلعب تركيا دوراً هجومياً في مواجهة الأزمة في سوريا، كون الأسد اختار قذف كرة النار إلى داخل تركيا عبر دعمه لحزب العمال الكردستاني، فإن تطورات الأوضاع في سوريا أصبحت تعني مباشرة الأمن القومي التركي. أردوغان يملك الأسباب والوسائل لاستعادة زمام المبادرة في الأزمة السورية، دون قلق من المعارضة التركية.
ما لم تشعر موسكو ومعها طهران، أن تحولاً عميقاً قد وقع في الغرب وعند العرب في كيفية التعامل مع الثورة في سوريا، فانهما لن تغيرا موقفهما، بالعكس ستزدادان تصميماً في دعم النظام الأسدي الذي لم يعد يهمه الرأي العام العالمي، فهو يستخدم حالياً الطيران الحربي ضد قرى ومدن عديدة علناً، مستعيداً التجربة الشيشانية في الدمار الشامل ولا أحد يعترض.
مهما طالت المسافة بين البدايات والنهاية فإن النتيجة واحدة. نهر الثورة طويل وصبر الثوّار أطول.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.