جريمة موصوفة، نُفِّذت عن سابق تصوّر وتصميم. العنوان الكبير للجريمة الذي جسّده الفيلم هو الإسلام والمسلمون من دون تمييز. الهدف الأساسي من وضع النار على 1200 مليون برميل بارود, هو حصول انفجارات تؤكد بعضها بعض فبركات الفيلم، وأبرزها أنّ الإسلام دين عنف والمسلمين لا يعرفون غير السيف والدماء.
جريمة قتل السفير الأميركي في ليبيا، قد تكون أيضاً عن سابق تصوّر وتصميم، وقد لا تكون. المهم أنّها وقعت. فرح بعض القوى الظلامية أو الطفولية في معاداتها للغرب وللولايات المتحدة الأميركية، يؤكد مرّة أخرى، عدم القدرة على الدخول في العصر من جهة، ورفض الآخر من جهة أخرى, وبالتالي أي تغيير من خارج ظلاميته أو طفوليته على السواء. لكن في الحالتين وهما وجهان لعملة واحدة، الأميركيون ليسوا مسؤولين عن جريمة الفيلم، ولا المسلمون مسؤولين بمجموعهم عن جريمة قتل السفير الأميركي في بنغازي.
تمت صناعة الفيلم كما يحضّر لجريمة إرهابية في سرّية وغموض لا يعرف تفاصيلها وأهدافها اللاعبون الثانويون. الممثلون لعبوا وتسلّموا أجورهم وهم يعتقدون بأنّهم يمثلون في فيلم عن الصحراء والقتال فيها، حتى الحوار الذي قالوه جرى تغييره في الدبلجة. أكثر من ذلك، هوية الكاتب والمخرج والمنتج غير معروفة. أيضاً لم يشتر مشاهد أميركي واحد بطاقة دخول للعرض الأول، فجرى سحبه، ووضع على مواقع التواصل الاجتماعي في توقيت اختير بعناية وهو في التاسع من أيلول، حتى إذا جاء 11 أيلول كان قد انتشر ووصلت ناره إلى كل العواصم العربية، فجاء الردّ كما خطّط له في ذكرى 11 أيلول: الأميركيون يستذكرون ضحاياهم، والسفارات الأميركية تُهاجَم وتُرفع عليها أعلام القاعدة، ليقع حريق آخر في كل بيت أميركي تحت شعار المسلمون يكرهوننا ويقتلوننا. لا شك أنّ مَن ارتكبوا جريمة الفيلم نجحوا نجاحاً باهراً يُسجَّل لهم في خانة العمليات الإرهابية الباهرة.
بعيداً عن الجريمة والجريمة المضادّة لها، فإنّ كل ما حدث ويحدث هو محاولة لضرب الربيع العربي. الرسالة واضحة، التي يجري ترجمتها في العالم، لا فائدة من التغيير في العالم العربي. بعد الديكتاتوريات، الإسلاميون قادمون. السابقون أجرموا ويجرمون بحق شعوبهم، بعيداً عن حدودنا ومجتمعاتنا. أمّا الإسلاميون فإنّهم يُدخِلون شعوبهم في الظلام، وينقلون الحرب إلى داخل حدودنا وضدّ شعوبنا. هذا في المبدأ، أما في الواقع، فإنّ المسلمين والعرب ليسوا مسؤولين عن هذه الحرب المفتوحة التي أسّس لها الأميركيون، عندما نقلوا آلاف الشباب المؤمن إلى أفغانستان ليحاربوا السوفيات والشيوعية, ثم بعد أن حقّقوا الانتصار، رموهم في جبال تورا بورا وكأنّهم الطاعون، فكان أنّ تحوّلوا إلى طاعون متنقّل مختلط بفيروس الحقد والانتقام، فضربوا مجتمعاتنا قبل أن يضربوا في قلب الولايات المتحدة الأميركية.
أيضاً وهو مهم جداً، لأنّه يعني مباشرة الثورة المشتعلة في سوريا. النظام الأسدي لا يخفي فرحه من حصول الجريمتين. على الأقل يستطيع أن يوجّه رسالة مكشوفة الأهداف والنيات إلى الغرب خصوصاً واشنطن وتل أبيب مفادها: إن بديلي هو هؤلاء السلفيون الذين يقاتلون ضدّي في سوريا. إذا سقطت فإنّ بديل العلمانية التي أنفذها، هو هؤلاء الإرهابيون, ضدّي اليوم وضدّكم غداً. ساعدوني أساعدكم.
هذا الخطاب الأسدي ليس جديداً ولا نتاج كل ما حصل في بنغازي والقاهرة واليمن وغيرها من العواصم العربية. أهم نتاج الحقبة الاسدية الطويلة هو براعته في عرض وبيع سلعة رائجة هي الإرهاب والإرهابيين. دائماً قايض النظام الأسدي مجموعات من الإرهابيين الذين جمعهم ودرّبهم بمطالب سياسية ومالية للعواصم الغربية خصوصاً باريس. الأميركيون يعرفون قبل غيرهم أهمية وخطورة هذه السلعة السلاح في العراق. النظام الأسدي صدَّر آلاف الانتحاريين إلى العراق، فقتلوا عشرات الألوف من العراقيين ولم يصيبوا سوى عشرات من الجنود الأميركيين, مطلقاً على جريمته هذه: المقاومة ضدّ الاحتلال. اليوم قال العراقيون عالياً وعلى لسان كبار المسؤولين فيهم، حول ظهور الإرهابيين من الإسلاميين المتشدّدين والمتطرّفين: هذه بضاعتهم رُدَّت إليهم.
يستطيع الرئيس بشار الأسد والأسديون أن يروّجوا لمثل هذه الحالة لعلها تطيل فترة بقائه وجرائمه ضدّ المدنيين (أحدث وسائل هذه الجرائم إلقاء براميل زنتها نصف طن من المتفجرات من طائرات الهليكوبتر من دون تصويب على الأحياء لتنفجر حيث تقع), لكن الإدارة الأميركية تحديداً ليست غبية، كلّما سارعت في دفع الأسد ونظامه للرحيل كلّما خفّفت من انتشار الغرغرينا المجسّدة في السلفيين والمتشدّدين، وكلما تباطأت كلما انتشرت وتعمّقت هذه الغرغرينا أكثر وأصبح البتر هو الحل الوحيد. التخلص منها في سوريا، يمهّد لضربها في كل مكان.
الجريمتان وضعتا الإدارة الأوبامية أمام خيارين الوقت فيهما مثل السيف إن لم يقطع به قطعه.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.