8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إيران: نحن في سوريا.. فاوضونا

اعتراف الجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري في إيران بوجود قوّات من فيلق القدس، الذي يرأسه صانع الملوك الجنرال قاسم سليماني، وصاحب الخبرات الطويلة في العراق ولبنان وسوريا، يؤكد واقعة معروفة ولا يكشف سراً. رغم ذلك، فإنّ هذا الإعلان الاعتراف مهم وخطير في وقت واحد. الجنرال جعفري هو أعلى العسكريين رتبة في الحرس، لذلك فإنّ كل كلمة له تعتبر مساراً سياسياً، درس بعناية قبل كشفه. أيضاً توقيته له أبعاد إضافية. بعد 18 شهراً على الثورة وعدم نجاح الرئيس بشار الاسد في وأدها رغم كل التدمير والقتل، يعني أنّه حان الوقت للبحث عن طريقة لفتح أبواب أخرى تمنع إحراق كل الجسور الموجودة والممكن بناؤها في لحظة معينة.
الجنرال جعفري يعرف جيداً أنّ قوات الحرس من فيلق القدس، ليست مهمتهم تدريس فكر الثورة الإسلامية في سوريا. لديهم الخبرات الكافية في التعامل الميداني في العراق وفي لبنان. باختصار إنهم يتعاملون ميدانياً مع كل الدروس المستفادة ويعيدون تدريب ودعم الجيش الأسدي بها. لقد سبق وأن كشف دورهم في الحرب الالكترونية والأمنية قبل سنة تقريباً، وقد سجلوا للأسف نجاحات مهمة دفع آلاف الشباب من التنسيقيات حياتهم وحريتهم ثمناً لها. عرضان في عرض واحد قدمهما الجنرال جعفري.
[الأول: عرض القوة من موضع الضعف. الجنرال يعرف جيداً أنّ الجيش الأسدي ضعف ويضعف بعد أن أنهكته مواجهات مستمرة ومتنقلة منذ 18 شهراً. وهو في كشفه عن وجود قوات من فيلق القدس يؤكد بطريقة أو أخرى ذلك لأنّه لو لم يكن هذا الجيش قد أصبح ضعيفاً لما احتاج إلى الدعم الميداني والتهديد بفتح جبهة واسعة إذا ما تعرّضت سوريا لهجوم خارجي.
[الثاني: استجلاب عروض للتفاوض بعد إعلام الخصوم بوجوده على الأرض، لأنّ التفاوض بعيداً عن الحدود يبقى سياسياً في حين أنّ التفاوض من خلف الحدود يكون سياسياً وميدانياً. السلاح على الأرض يصيغ عوامل القوة والتفاوض من موقع القوّة.
الجعفري وهو في هذا لسان حال المرشد آية الله علي خامنئي، يريد موقعاً لإيران على طاولة المفاوضات القادمة. عضوية إيران في اللجنة الرباعية مهمّة جداً. لكن الأهم أن تقبل واشنطن بعد الانتخابات الرئاسية عضويتها في طائف سوري أو حتى في حال حصول تفاهم أميركي روسي، سواء على الحل في مجلس الأمن أو في إنجاح انقلاب عسكري مبرمج على أساس تشكيل مجلس عسكري يقدم للعلويين ضمانة عملية تتمثل بالمناصفة أو أقل بقليل، أو كما يقول البعض النصف زائد واحد. طهران تريد معرفة ماذا سيبقى لها من هذا الحليف الذي أنفقت عليه أكثر من مائة مليار دولار واعتمدت عليه لنقل علاقتها بالقضية الفلسطينية من الخطاب السياسي إلى التواجد الميداني، إيران أيضاً تريد ضمان مصالحها الواسعة في العراق، ومستقبلاً في افغانستان التي تشكل بالنسبة لها الحديقة الخلفية تاريخياً. هذا عدا الملف النووي الذي ضمنت فيه حتى الآن عدم حصول حرب أميركية ضدّها مما يعني وضع كلب الحراسة الإسرائيلي في القفص حتى إشعار آخر.
أيضاً وهو مهم جداً، لا يمكن عزل هذا الخطاب الجعفري عن التطورات السياسية الداخلية. بداية من المرجح أن الجعفري يريد وضع موطئ قدم له في الخريطة السياسية مستقبلاً. من الطبيعي كما حصل بالنسبة لمعظم قادة الحرس وبعد تعزيز مواقعهم في السنوات الأخيرة، أن يكون للجعفري مستقبلٌ سياسيٌ. ليس أهم من هذا الموقع وهذا الميدان الاعلان عن حضوره السياسي. أصبح للجنرال رأيٌ سياسيٌ في أهم قضية استراتيجية تعني الأمن القومي الايراني.
قيادة الحرس الثوري، أرادت وبالتفاهم مع المرشد آية الله علي خامنئي وضع نقطة ختام على النقاش داخل ايران العميقة الذي ليس سوى صدى للنقاش الشعبي المفتوح منذ الانتفاضة الخضراء، حول العلاقة مع سوريا ولبنان وغزة خلال الانتفاضة كان الشعار السياسي الخارجي الكبير لا غزة ولا لبنان. نحن نحب إيران. بعد الثورة في سوريا والكشف يوماً بعد يوم عن عمق انخراط إيران في جورة الدماء السورية تحت بند الدفاع عن النظام الأسدي هو دفاع عن الأمن القومي الايراني، نمت معارضة هذا الربط بين مصير نظام زائل مهما كانت الطريقة، وأمن قومي له ثوابته وضروراته وأحكامه. وقد أصبح معلوماً أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن الاعتراضات على هذا الوضع يتسع ويتعمق بقوة. من ذلك:
[ اجتماع خمسة من جنرالات الحرس بالمرشد ومعارضتهم لوضع كل البيض الايراني في سلة الأسد.
[ الرسالة الاعتراضية وحتى التحذيرية التي رفعها منوشهر متقي وزير الخارجية السابق الى المرشد في مطلع تموز الماضي والتي كشف عنها مؤخراً في الربط بين الأمن القومي الايراني ومصير النظام الأسدي مما استحق عليه رداً قاسياً جداً من المرشد.
[ الاعتراضات المتزايدة على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها موقع صوت الداخل القريب من الرئيس أحمدي نجاد, من هذه العلاقة. من ذلك: ان الدعم المطلق لنظام بشار الأسد ليس موفقاً جداً لأنه يزيد من مخاطر النزاع المذهبي في سوريا. ثم يضيف الموقع بتوقيع أحمد شريعتي: كيف يجرؤون على ربط مصير النظام الاسلامي في ايران بمصير سوري؟.
طبعاً هذه الاعترافات لم تبقَ بلا ردود. أقوى الردود وأصرحها جاء في موقع مللي مذهبي: بعد سوريا يأتي دورنا. علينا إبطاءهم ومقاومتهم.
توجد ألف طريقة لوقف هذا الهجوم. البداية، إيرانياً هي في إعادة تقييم الوضع في سوريا وتحديد من هو الظالم ومن هو المظلوم. من الطبيعي أن الوقوف مع الشعب السوري المظلوم يغير الكثير من المعطيات والنتائج حاضراً ومستقبلاً.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00