مؤتمر هيئة التنسيق الوطني، المفترض عقده في دمشق اليوم، فشل قبل أن ينعقد، سواء عاد عبدالعزيز الخيّر ورفيقيه من الخطف أم لم يعودوا، وسواء تبيّن من خطفهما، النظام نفسه أو أطراف من المعارضة. النتيجة واحدة، لا ضمانة ولا أمن لأحد في سوريا الأسد، مهما بلغ حجم الضامن. باختصار شديد، الحل السياسي مات ودفن مهما حاول البعض تأخير الإعلان عن مكان التعازي. لا داعي بعد إن دخل الموت والحزن بكل أنواعه كل بيت في سوريا. حتى لو انعقد المؤتمر، فإنه لن ينجح، لانه لم يبق سوى الحل العسكري. النظام الأسدي أراد ذلك ونجح الى حد أنه دخل في حالة انتحارية، والمعارضة تعسكرت ولم يعد باستطاعتها الانسحاب من الرمال المتحركة للعسكرة.
في سوريا اليوم، لا يوجد حد أدنى لتوقعات يمكن البناء عليها. كل يوم يحمل في دقائقه تفاصيل وتوقعات جديدة. كثرة اللاعبين الداخليين والخارجيين على السواء وتعدد أهدافهم ومراميهم وتضاربها وتنافسها وتصارعها الى حد الإلغاء، يحول دون أي قراءة واقعية وشفافة ولو محددة لمجريات اليوم نفسه فكيف بالغد وما بعده.
كل ما يجري فعلاً في سوريا هو إدارة الأزمة ضمن الوقت الضائع حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية من جهة، وتحسين كل طرف على حدة أو مجتمعاً مع حلفاء له، من جهة أخرى، موقعه على الأرض حتى تحين لحظة الحسم سواء كانت في إسقاط النظام الأسدي بالقوة، أو في طائف سوري، أو حتى في الانهيار نهائياً والغرق في الصوملة.
هيئة التنسيق الوطني المشكّلة من 23 حزباً وتنظيماً تريد الإمساك والتمسك بجزء من الميدان، لتكون حاضرة. لكن حتى هذه الهيئة التي تسير بمحركين هما: حسن عبدالعظيم وهيثم المناع، خضعت لقواعد الاشتباك الميدانية وأولها وأهمها اليأس من الحل السياسي، وتعرضت لانشقاق كبير عنوانه الفعلي الانحياز نحو العمل العسكري واعتباره هو الحل. هيثم المناع، حتى اليوم الأخير قبل انعقاد المؤتمر، يعتقد أو يثق بأن 22 كتيبة عسكرية مشكّلة من أبناء درعا وإدلب وريف دمشق يوافقونه على وقف لإطلاق نار ولو جزئيا لفتح الباب نحو الحل السياسي. مشكلة المناع أنه لا يضمن قبول النظام الأسدي بهذا الاقتراح الذي يمكن أن يشكّل بداية لحوار وحل سياسي. إذن كل النوايا الطيّبة للمناع تبدو عاجزة عن الحركة لأنها وسط أفق مسدود.
أمام هذا العجز السياسي وسيادة الحل العسكري، اتجه كل طرف سواء كان حزباً أو تنظيماً أو مسؤولاً في المعارضة حتى لو كان ضمن تنظيم كبير مثل المجلس الوطني، نحو إنشاء وحدة مقاتلة خاضعة له يضمن ويؤمن لها التمويل والعتاد، وهي تقدم له التواجد الميداني الذي يفرضه طرفاً في أي حل مستقبلي.
أما النظام الأسدي، فإن تصفية الجميع وبقاءه وحيداً يحكم باسمه بشار الأسد الى الأبد، هي مسألة وقت. لم يعد بالنسبة له أي قيمة للبشر والحجر. دخل بقوة وقناعة حالة الشيْشنة وهو يتابعها ويطوّرها بنجاح غير مسبوق، تساعده في ذلك حال من العجز العربي والدولي الكامل مهما بلغت ضخامة وقوة الظواهر الصوتية المنتشرة.
هذا العجز عن الوحدة الداخلية للمعارضة، والظواهر الصوتية للقوى الداعمة والحليفة والمتضامنة معها، يقابلها المزيد من التماسك والتصلّب للنظام، والدعم غير المحدود للحلفاء الخارجيين له، خصوصاً إيران وروسيا. الأولى، تمدّ النظام الأسدي بالمال والخبراء والسلاح والموقف السياسي المستند الى الحائط الذي يجعل من سقوط النظام الأسدي خسارة الحرب كلها. أما الثانية وهي روسيا، فإنها مع شريكتها الصين الشعبية أقفلتا باب مجلس الأمن مهما بلغت حدة الاتهامات الدولية وتحديداً الغربية لها بتعطيل القرار الدولي ودفع الحالة السورية نحو مزيد من الاقتتال الداخلي الذي تتزايد يومياً مفاعيل امتداد ناره الى المحيط الإقليمي.
في الوقت نفسه، فإن روسيا وهي تدعم النظام الأسدي بالخبراء والخبرات الشيشانية، تدرك أن لكل ذلك نهاية ولا بد من حل يعيد ترتيب الأوراق داخل سوريا وخارجها، لذلك فإنها تعمل لرفع عدد الملفات التي تمسك بها داخلياً. روسيا حالياً ليس لها في سوريا سوى النظام الأسدي، وهو وإن كان كل شيء لها فإنه أيضاً يشكل عبئاً ثقيلاً لها، من الصعب جداً المناورة به أمام القوى الأخرى التي تملك قوى داخلية تتزايد رقعة حضورها وتواجدها على الأرض يومياً.
تبنّي روسيا لمؤتمر هيئة التنسيق الوطني الى درجة أنها أصبحت الحاضنة والضامنة له، خصوصاً بما قدمته من تعهدات وضمانات لقوى سورية خارجية، سياسية منها وعسكرية، ليحضروا الى دمشق ويخرجوا منها سالمين بعد مشاركتهم في المؤتمر. وما هذا المسار الروسي كله إلا من أجل بلورة قوة سورية داخلية مشكّلة من تنوّع المعارضة، تثبت بها إمكانية الحل السياسي من جهة، ومن جهة أخرى امتلاك ركيزة سياسية مستقلة عن النظام تزيل جانباً مهماً من ضعف حضورها الداخلي، وتؤهلها أكثر فأكثر لأن تكون طرفاً أساسياً في أي معادلة تصاغ مستقبلاً لسوريا.
المأساة الحقيقية أن سوريا أصبحت على يد الأسد الإبن ملعباً. كل الأطراف تلعب فيه، لتسجيل الأهداف وتحسين شروطها في الربع الساعة الأخير، وأن الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن حاضراً ومستقبلاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.