المؤتمر الوطني لإنقاذ سوريا الذي عُقد أمس في دمشق، لا يرضي طموح الكثيرين من المؤيدين للثورة في سوريا. أكثر من ذلك، الطرف الآخر من المعارضة تعتبره خدعة من النظام للتأكيد بأنّه منفتح على الحوار. ولذلك تم رفض المؤتمر من المعارضة المسلحة بفرعيها السياسي المجلس الوطني والعسكري الجيش السوري الحر. بعيداً من هذا الرفض ومبرّراته التي في الكثير منها واقعية السياسة الشيشانية التي ينفذها النظام يومياً، فإنّه كان يجب أن يسمع السوريين قبل العالم، الدعوة من قلب دمشق لإسقاط النظام الأسدي.
روسيا، عرّاب المؤتمر، لأنّها الحاضنة والضامنة له، بالتكافل والتضامن مع الصين وإيران والجزائر، تلقت صفعة مدوية من النظام الأسدي نفسه. اعتقال المخابرات الجوية، وهي كانت وما زالت أقوى وأقسى جهاز من أصل 13 أو 16 جهاز مخابرات تتحكّم برقاب السوريين منذ أربعين سنة، للمعارض والمناضل عبدالعزيز الخيّر ورفيقيه اياس عياش وماهر الطحان. الرئيس بشار الأسد ولواؤه جميل حسن مدير الجهاز، أرادا توجيه رسالة واضحة لموسكو التي تدعمه بكل الخبرات التي تمتلكها خصوصاً المجربة منها في الشيشان، وللمعارضة الرافضة للعسكرة: إنه وحده الذي يقدم الضمانات الأمنية ولا أحد غيره. التشاؤم يسود أوساط المعارضة في إطلاق سراح الخيّر ورفيقيه خصوصاً بعد أن اتهم النظام الاسدي قوى معارضة باختطافهم رغم ثبوت دوره. ما يضاعف من تشاؤم المعارضة، أنّ الخيّر الذي أمضى حوالى عقد ونصف في السجون الأسدية يشكّل ورقة ضغط مهمّة على حلقة النظام، فهو من المؤسف الإشارة إلى هويته المذهبية علوي معروف إلى جانب ماركسيته العميقة، ممّا شكّل جرماً مضاعفاً أمام النظام. زوجة وشقيقة ماهر الطحان الذي ذهب إلى المطار لاستقبال رفيقه الخيّر العائد من الصين وباريس، سألتا السفير الروسي عظمة الله كولمخدوف الذي شارك بالمؤتمر عن الضمانات التي قدمتها بلاده للمؤتمرين فاكتفى بالقول إنه يتابع المسألة.
موسكو أرادت تحويل المؤتمر جسراً للعبور عليه من الداخل السوري الى قاعة الأمم المتحدة خلال انعقاد الجمعية العامة، للتأكيد بأن لها حضوراً قوياً في الداخل السوري، وأنّ الحوار ممكن بين المعارضة والنظام، وبالتالي يمكنها الحد من تحرك قوى أصدقاء سوريا والعمل على تأجيل أي قرار لاحق، خصوصاً بعد الانتخابات الأميركية في تسليح المعارضة بالأسلحة التي تمكّنها من الحد من فعالية الطيران والدبابات. مهما قيل عن سلاح المعارضة فإن التوازن مختل الى حد كبير، لأنه لا يمكن المساواة بين ارهاب طائرات الميغ 23 وطائرات الهليوكوبتر المحمّلة ببراميل المتفجرات من وزن نصف طن، بالكلاشنيكوف وب-7 الثوار. بعيداً عن كل ما قيل في المؤتمر وعن خطط ما بعده، فإن فشل موسكو في اطلاق سراح عبد العزيز الخيّر ورفيقيه، يفقدها ورقة مهمة تتعلق بأي ضمانة تقدمها مستقبلاً أمام السوريين والعالم. يبدو أن موسكو لا تريد أن تقبل بأن الرئيس بشار الأسد الذي لم يتحمل حزن واعتراض شقيقته بشرى، لا يمكن مطلقاً ضبطه وضمانته. تاريخياً لا يمكن ضبط ايقاع إعصار الديكتاتوريين، من نيرون روما الى بشار الأسد وما بعده.
بعيداً عن الأسماء والمواقع والخلافات حول أهمية المؤتمر، فإن ما قيل خلاله وما خرج به مهم جداً، لأنه اذا كانت المعارضة المدنية الرافضة للعسكرة تأخذ بذلك، فإن خطاب المعارضة المسلحة ونضالها العسكري يصبح طبيعياً وموضوعياً، خصوصاً وأنّ المؤتمر أكد على:
[ أن الشعب السوري الذي ضحى مستعد للتضحية أكثر.
[ على النظام أن يرحل لأنّ المسؤولية الأولى تقع عليه في كل ما آلت اليه سوريا.
[ إسقاط النظام هو الجسر الذي تمر عليه سوريا الى الدولة المدنية.
[ العنف الحالي ليس إلا ثمناً أمام عنف أعظم وهو إغلاق الباب أمام حرية الرأي والتعبير طوال نصف قرن.
[ لقد أمهل الشعب الذين أرادوا سوريا مزرعة للفساد ثم انتفض حين لم يستجيبوا له فلا حرية بلا كرامة وديموقراطية.
[ إن من يواجه الاستبداد يجب أن يكون نقيضه.
[ إن المواطن السوري في أمسّ الحاجة للحرية أكثر من حاجته للخبز، وان يشعر الإنسان بأنه إنسان.
اللائحة طويلة وكلها إدانة للنظام الأسدي. موسكو تعمل على انعقاد مؤتمر في منتصف الشهر القادم بعد أن تنضج مبادرتها للتوصل إلى وقف إطلاق نار ولو جزئي. المشكلة في الأسد الممانع إلى درجة الاستعانة بخبرات كوريا الشمالية التاريخية في القمع والانعزال والتبعية. بذلك تكون موسكو قد حضرت الملعب السوري للتفاوض حوله وعليه مع الرئيس الأميركي المنتخب. لكن عندما يصل المعارض التاريخي ميشال كيلو الذي كان حتى الأمس القريب أحد أكبر الدعاة للعب موسكو دوراً أساسياً في الحل، إلى اعتبار مشاركة موسكو في الحل خيانة، يعني أن كيلو يتخوف أو حتى يخاف من طرح روسي وراء الأبواب او تحت الطاولة يهمش دور المعارضة السورية ويدفع نحو حل الانقلاب العسكري الذي يتضمن تشكيل مجلس يضم جزءاً أساسياً من النظام الاسدي وبعض القوى المعارضة المدجنة. هذا إذا لم يكن الدفع باتجاه ترك الأسد إنهاء ولايته الرئاسية في العام 2014 وترك الخيار للشعب السوري بعد حملة تجميلية للأسد.
بحسب تقديرات أولية فإن 2,5 مليوني وحدة سكنية قد دمّرت أو تضررت في سوريا حتى الآن. وإذا كان لبنان قد أمضى ست سنوات لإعادة بناء عدة آلاف وحدة سكنية مدمّرة في حرب 2006 فماذا عن سوريا؟ إضافة إلى ذلك ضرورة إعادة بناء الجيش السوري من القاعدة إلى القمة. في جميع الأحوال انتهى الدور السوري لأكثر من عقد من الزمن. أما الثورة والسوريون فإن أمامهم أسابيع صعبة مليئة بالتضحيات، حتى تتبلور مسارات الحلول والخلاص، المهم في جميع الحالات أن الاتفاق بين السوريين أصبح شاملاً وهو سقوط الأسد بداية للحرية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.