8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إيران: نحو انتفاضة التومان

الرئيس أحمدي نجاد، مصرّ على أن الحرب الكونية التي يشنها الغرب على إيران، هي السبب في الكارثة الاقتصادية التي تعصف ببلاده. نجاد ليس وحيداً في موقفه هذا، النظام كله وعلى رأسه المرشد آية الله علي خامنئي موقفهم من موقفه. في الظاهر هذا الموقف صحيح، لكن في العمق، سبب الكارثة هو سياسة النظام التي أدخلت إيران في مواجهة غير متكافئة. الغرب وعلى رأسه واشنطن، يمكنه التصعيد أكثر فأكثر، خصوصاً وأن واشنطن ما زالت تترك لإيران بعض الجيوب الهوائية لتتنفّس منها سواء عبر اليابان وتركيا أو غيرهما.
الرئيس بشار الأسد، والنظام الأسدي معه، يصرّ على أن الحرب الكونية التي تشنّ ضد سوريا هي لأنها دولة ممانعة ومقاومة، هي السبب في كل ما يجري وسيجري في سوريا، ابتداء من قتل المتظاهرين المدنيين، وصولاً الى الشيشنة في تدمير ممنهج لكل القرى والمدن السورية وانتهاء بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية المبرمجة مسبقاً عن سابق تصوّر وتصميم.
إيران خسرت الحرب الاقتصادية بالضربة القاضية. غرق التومان الإيراني بهذه السرعة القياسية بحيث قفز سعر الدولار من ألف تومان تقريباً الى ما يزيد على ثلاثة آلاف تومان. إذا لم يتم وقف هذا الانهيار في الأيام القليلة المقبلة، فإن الإيراني سيضطر الى حمل رزم من التومان في الأكياس لشراء الخبز، كما حصل في دول عديدة عشية الحرب العالمية أو غداتها. ليس قليلاً ولا هو أمر يمكن أن يتحمله الإيراني العادي، بأن تنهار قوته الشرائية ثلاثة أضعاف دفعة واحدة في وقت ما زال مدخوله ثابتا، فكيف إذا انهار التومان أكثر فأكثر؟ المنطق المالي أن ذلك يحصل مثل تدحرج كرة الثلج من أعالي الجبال الى وسط المدينة.
السؤال الطبيعي، ماذا يمكن أن يحصل في إيران: هل تقع انتفاضة الخبز فيبدأ الربيع الإيراني من الخبز الى الحرية السياسية بعكس ما حصل في العالم العربي؟
رغم بعض التظاهرات التي وقعت في البازار بطهران أو في مشهد (وهي مدينة لها خصوصيتها ورمزيتها) فإن الوضع لم يتحوّل الى زلزال يدفع الإيرانيين الى الشوارع بتظاهرات مليونية. كيفية تعامل السلطات مع المتظاهرين تفتح مسار التطورات. الخطر الأساسي في كل ما يمكن أن يحصل في إيران، هو انتقال التظاهرات والاحتجاجات من الأحياء الشمالية لطهران حيث الطبقة المتوسطة الى جنوب طهران، ومن المدن الى الأرياف حيث تعيش شرائح واسعة من الفقراء والعاطلين من العمل وذوي دخل الحد الأدنى للأجور. كلما اقتربت سكين الحاجة والفقر من رغيف الخبز أصبح الطريق مفتوحاً امام الانتفاضة. مشكلة الانتفاضة الخضراء أنها لم تنجح في توحيد الشمال مع الجنوب. انهيار التومان قد يزيل الفوارق والحواجز النفسية المشدودة الى ارتباط إيديولوجي بالنظام.
وارتفاع حرارة نار الانقسامات الداخلية تعزز ارتفاع حرارة الشارع. يوجد حالياً في إيران صراع مكشوف ليس بين القوى المحافظة التي أصبحت عدة بيوت في بيت واحد فقط، وإنما حول جدوى هذه المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة الأميركية المصحوب بالإنفاق العسكري الهائل والمتزايد، من جهة والانخراط من جهة أخرى في نزاعات طويلة ومكلفة جداً تشكل خسارتها خسارة استراتيجية لها مثل الاندماج مع الأسد والنظام الأسدي. لم يكن ينقص المرشد آية الله علي خامنئي بالمطالبة بفتح الحوار مع واشنطن إلا انضمام أحمدي نجاد الى هذه الجبهة. حتى لو كان ذلك في عملية دفاع استباقية منه على محاولة إلغائه من الخريطة السياسية بعد أن تحوّل الى تيار يعرف بـالنجادية يقوم على ركيزتين المهدوية (أي القول بعودة الإمام المهدي وتخليصه العالم) والقومية التي لها جذورها التاريخية في البلاد.
المرشد ما زال متشدداً رافضاً لأي حوار مع واشنطن وهو المدخل الطبيعي لفك الحصار الاقتصادي عن بلاده، لأنه إذا قام بهذا التحوّل بنفسه خسر كل نهجه الذي بني عليه مشروعه النووي والصاروخي المكلف معاً.
لا يعني ذلك أن الباب ما زال مسدوداً أمام المرشد. أمامه خيارات عديدة منها اللجوء الى الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي ينادي بالاعتدال والانفتاح داخلياً على الإصلاحيين والشباب، وخارجياً على الولايات المتحدة الأميركية والسعودية. رفسنجاني ثعلب الدولة الإيرانية ليس ساذجاً ليترك رجل بيته ابنته فائزة رفسنجاني تدخل السجن ولا أن يقبل بعودة ابنه مهدي بعد ثلاث سنوات من الهجرة ليدخل السجن طوعاً. رفسنجاني يصفي مشاكله، حتى إذا دخل معركة الانتخابات الرئاسية يكون متحللاً من كل الملفات، ومتفرغاً بالتوافق مع المرشد لاختيار مسار جديد ينقذ إيران من المواجهة المكلفة جداً. لكن ذلك لا يمنع من أن خامنئي يجد نفسه بعد عقدين وأكثر من الولاية المطلقة بين مطرقة رفسنجاني وسندان نجاد داخلياً، وخارجياً بين حجري رحى المواجهة مع الغرب وخطر الانفجار الداخلي.
أيضاً لا يمكن للمرشد خامنئي إلا أن يعجّل في خياراته الخارجية المشدودة والمندمجة مع أزمته في الداخل. مجرد أن يضيف الإيرانيون الى شعارهم الذي أطلقوه خلال الانتفاضة الخضراء سوريا ليصبح: لا سوريا ولا غزة ولا لبنان نحن نحب إيران كما حصل في التظاهرات المحدودة حتى الآن، يعني أن الإيرانيين يفتحون أسباب أزمتهم على تكاليف انخراط النظام في تمويل النظام الأسدي والخسارة المقبلة، خصوصاً وأن تجربة حركة حماس وضياع سنوات من الإنفاق والاستثمار عليها قد تبخّر بلحظات.
الرئيس بشار الأسد يعرف جيداً أن الوقت يضيق خناقه عليه، لذلك يصعد حرب الشيشنة التي يخوضها لعله يرفع رصيده على أمل التفاوض لاحقاً. مشكلته مثل النظام الإيراني أن التصعيد في المواجهة يزيدهما غرقاً في الرمال المتحركة التي سقطا فيها، وأن مدّ يد العون الواحد للآخر لا تنجي أحداً. على الأرجح هذا ما ترغب واشنطن ومعها الغرب ودول عديدة أن يكون غرقُ أحدهما الطريقَ الى غرق الآخر.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00