الرئيس بشار الأسد لم يهزم لكنه لم ينتصر على الثورة في سوريا. رغم كل ما يقوله عن الحرب الكونية ضده وضد النظام الأسدي فإن الأسد يخسر الحرب يوماً بعد يوم. مجرد أن تتقاطع الاقتراحات والمبادرات حول كيفية اخراج سوريا من الحرب بعيداً عنه، يعني أنه انتهى عاجلاً أوآجلاً.
مسار الأحداث العسكرية والسياسية في سوريا وحولها، يتجه نحو صياغة حل سياسي دولي. لم يعد أحد من مختلف القوى المعنية بالحالة السورية يتحمّل مزيداً من الاختبارات اليومية. يجب إخراج سوريا من قلب دائرة النار. عندما تتكاثر الاقتراحات تحت وطأة النار، يعني أن مساراً جديداً يكتب.
تركيا ومن خلفها الحلف الأطلسي لا تريد الحرب الشاملة التي يعمل لها الأسد ليلاً ونهاراً. يستطيع الأسديون أن يستخرجوا أحقاداً دفينة من التاريخ ويتناسوا أن الأسد قايض بشحطة قلم سلامة نظامه مقابل التسليم نهائياً بأن لواء الإسكندرون تركياً وليس لواء سليباً. لأن لا أحد يريد حرباً شاملة فإن الاندفاع نحو العثور على حل يبدو وكأنه أسرع مما هو متوقع. اقتراح داود أوغلو وزير خارجية تركيا فاروق الشرع رئيساً لحكومة موقتة يعيد الحياة الى الحل اليمني على قياس سوريا. السؤال ما العمل مع بشار الأسد؟ هل يبقى؟ أين؟ أو يرحل لأنه ارتكب من الجرائم ضد الانسانية ما يكفي لإدانته عشرات المرات.
أيضاً الولايات المتحدة الأميركية المشغولة بالانتخابات الرئاسية التي كانت تستثمر النار في سوريا، وصلت الى النهاية. واشنطن سواء فاز أوباما أم لم يفز، تريد سوريا دولة ضعيفة ومعزولة وغير قادرة على رسم المسارات في المنطقة ولا حتى شريكة في القرارات الصعبة لسنوات طويلة. لكن واشنطن بدأت تتخوف من أن تتحول سوريا الى مساحة مفتوحة لكل المجموعات الظلامية في العالمين العربي والاسلامي. من الصعب جداً محاربة هذه المجموعات إذا انزرعت في سوريا. واشنطن قررت بعد 11 أيلول 2001 أن تعيد صياغة منطقة الشرق الأوسط على قياس سياستها وأهدافها. وهي نفذت هذه السياسة في عهد جورج بوش بالقوة. الرئيس باراك أوباما أذكى بكثير، وربما لأنه واقعي أكثر ويعرف جيداً حدود القوة من جهة وتحمل بلاده للانتشار العسكري من جهة أخرى، فإنه اعتمد سياسة التمدد بهدوء. من المؤكد أن واشنطن وأوباما لم يصنعا الربيع العربي. القهر والتصحر السياسي والقمع فعلت فعلها في دول عربية مهمة مثل مصر وتونس. واشنطن الأوبامية استثمرت الربيع العربي وهي تتابع استثمارها له لاستكمال خطتها في إعادة صياغة المنطقة على قياسها. قد يقول البعض إنّها مؤامرة وحرب كونية يجب مواجهتها. السؤال كيف وهذه القوى التي تريد المواجهة تحصد ما زرعته. فهذه القوى شاركت في زرع القمع والإرهاب وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام مختلف القوى التي بعضها ظلامي باسم المقاومة. لا يمكن مواجهة المؤامرة ولا المقاومة بشعب مقهور. قوة التدمير المفرطة تؤجل الحرية كما يحدث في سوريا اليوم لكنها لا تسقطها مطلقاً. منذ مطلع التاريخ يبقى السؤال قائماً: من المسؤول الفراشة التي تحترق بضوء الشمعة أم الشمعة ومَن أشعلها هو المسؤول. يمكن استغلال غموض هذا المثل لكن في حالة الشعوب فإنّ إشعال الشمعة هو المطلوب أما احتراق الفراشة بنارها فمن مسؤولية الأخيرة.
أيضاً روسيا وصلت ومعها إيران إلى النهاية. موسكو تريد ضمان مصالحها أولاً وأخيراً. الأسد لا يعنيها أكثر من كونه وسيلة لتحقيق مصالحها. لذلك إذا ضمنت مصالحها، فإنّها ستكون مستعدة للمقايضة. أما إيران، فتدرك انها خسرت معركة ولا داعي لخسارة الحرب. ليس بالضرورة أن تكون كل معركة هي واترلو. المهم كيفية التعامل مع الخسارة يغير الوضع ويفتح الآفاق. إيران لا يمكنها متابعة ضخّ المال للنظام الأسدي. الأزمة الاقتصادية خانقة مهما كابرت وهي تهدد بأحداث أكبر. نور الدين المالكي، حليف طهران، الذي قدم المعونات في البداية أصبح يتحدث من موسكو انه ليس مع النظام ولا مع المعارضة وإنما مع ما يريده الشعب السوري.
البحث عن حل سواء كان تحت بند الطائف السوري أو اليمني أو غيرهما أصبح جدياً. أبرز ما في هذه الجدية ان واشنطن وموسكو وطهران تتقاطع عند نقطة مشتركة وهي كيفية تأمين الضمانات الضرورية والواجبة والملحة لكل من العلويين والمؤسسة العسكرية، إذا لم تقدم الضمانات للعلويين فإنّ الحرب ستستمر ويصبح حل الكونتونات ولو دوفاكتو قائماً. عدم المحافظة على المؤسسة العسكرية ولو بعد ابعاد ومحاكمة بعض مجرمي الحرب، ضروري جداً لبقاء سوريا موحدة وخارجة عن خطر الصوملة. لا شك ان صيغاً عدة، وافكاراً كثيرة تطرح حالياً علناً وسراً، منها قيام مجلس عسكري من 11 عضواً من الداخل والخارج موزعين طائفياً: واحد مسيحي وواحد درزي وخمسة سنّة وأربعة علويين والعكس صحيح مع الأخذ في الاعتبار توزيع المواقع الحساسة على الفريقين.
سوريا ستبقى ايضاً لأسابيع اضافية في قلب النار. أما عندما يأتي الحل، فالمؤكد ان سوريا اخرى ستولد مشوّهة ومعوّقة لسنوات طويلة، سواء بسبب الدمار والأحقاد أو بسبب تأكيد لبننتها الطائفية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.