عادت روسيا الى العراق. عادت الى السوق التي فقدتها بعد الغزو الأميركي. لم يعد للايديولوجيا أهمية. الأهم الصفقات بالمليارات، أعطني وخُذ. هذه هي القاعدة والمسار في كل العلاقات الدولية، فكيف بين العراق وروسيا؟. بين دولة غنية بالنفط والغاز وضرورات ملحّة لتجهيز جيش كبير يعاد بناؤه من القاعدة الى القمة. الصفقة مع العراق اعتبرت روسيا نقطة بداية لتعاون استراتيجي في القرن الواحد والعشرين. البداية في صفقة عسكرية بلغت قيمتها 4,2 مليارات دولار. المسار مفتوح على التعاون الملحّ في حقل الطاقة الكهربائية حيث العراق يحتاج الى بناء محطات كهربائية جديدة. أما في قطاعي النفط والغاز، فالوعود ضخمة خصوصاً ان البداية كانت في حصول شركة لوك أوبل على عقد لاستثمار حقل القرنة الغربية -2، بينما حصلت شركة غاز بروم نفط على عقد لاستثمار حقل البدرة النفطي.
نوعية أسلحة الصفقة العراقية الروسية، تؤشر الى أن نور الدين المالكي رئيس الوزراء العراقي، أقدم على هذه الخطوة، لأن واشنطن اشترطت عليه عندما طلب السلاح الأميركي تعهداً عراقياً في عدم استخدامه:
[ ضد حلفاء الولايات المتحدة الأميركية والمقصود إسرائيل قبل غيرها.
[ ضد أطراف داخلية والمقصود الأكراد، خصوصاً بعد أن تسلم الزعيم الكردي مسعود البرزاني نسخة صوتية لجلسة لأركان الجيش حضرها المالكي نوقش خلالها مبدأ الصدام العسكري مع القوات الكردية. الصفقة الروسية تشمل حوامات مي 28 ودبابات، قال خبراء روس انه يمكن استخدامها ضد المتطرفين السنة، علماً أن المالكي قال في موسكو علناً أنه يريد الحصول على أسلحة حديثة يمكن استعمالها ضد الارهابيين في ظروف الجبال والصحراء، أي في جبال كردستان ومنطقة الأنبار. من الواضح التقاطع الروسي العراقي ومزايدة روسية على المتطلبات العراقية. روسيا تهمها العودة الى العراق من أي بوابة كانت إما لتأكيد مطالبها في سوريا أو استعداداً منها لخسارة سوريا. أما اذا كانت موسكو تطمح فعلاً الى الجمع بين دمشق وبغداد معاً، فإن في ذلك تغييباً للواقع منذ أيام معاوية، لأن الآخرين كائناً من كانوا يخافون هذه الوحدة.
بعيداً عن السلاح والمصالح، فإن سؤالاً كبيراً يدور انطلاقاً من الصفقة العسكرية الروسية العراقية، هل أصبح قرار المالكي مستقلاً عن القرار الأميركي الى درجة قفزه فوق كل مصالحها حتى الاستراتيجية منها؟ هل الحلف بين المالكي وإيران يسمح له بتجاهل الموقف الأميركي؟ وإذا كان المالكي ما زال مرتبطاً بشكل أو بآخر بالقرار الأميركي ألا يعني ذلك أنه ذهب الى موسكو بموافقة أميركية ولماذا؟.
بعض هذه الأسئلة معقد وبعضها مفتوح على احتمالات عديدة. المهم مطلوب بعض الإجابات السهلة، خصوصاً أنه في قلب كل هذه الإجابات سيكون الهم السوري حاضراً، لذلك فإن المنحى العام يتجه نحو سيناريوين:
[ الأول وينادي به أنصار التشدد والتصلب ومجموعات من الأسديين يقول إن المالكي المتحالف مع طهران قفز فوق الموقف الأميركي وطار الى موسكو وعقد الصفقات وفتح خزانة الوعود، وقد بادله الرئيس فلاديمير بوتين الانفتاح بانفتاح أكبر. مسار هذا السيناريو يصل الى تقديم دعم مطلق للرئيس بشار الأسد واستمراره في السلطة مهما حصل وسقط عشرات الألوف من الضحايا السوريين، المهم أن يبقى محور الممانعة قائماً وصلباً وقوياً. النتيجة الطبيعية لذلك وقوع هزيمة أميركية كاملة لأن المنتصر هو المحور الروسي الايراني، وبالتالي قيام شرق أوسط جديد لا مكان فيه للولايات المتحدة الأميركية. عدا هذا كله قوس يمتد من إيران الى سوريا مروراً بالعراق وتنضم إليه لاحقاً أفغانستان، ويرضخ الآخرون له، طبعاً لا أحد يطرح ما العمل مع إسرائيل. وهل تقبل بهذا أم لا؟ وماذا يمكنها أن تفعل؟.
[ الثاني ان نور الدين المالكي، أخذ موافقة واشنطن وبذلك ثبّت نفسه قائداً للعراق يرتكز يميناً على الأميركيين ويساراً على الإيرانيين. وأن واشنطن لا يضيرها أن تأخذ روسيا جزءاً من الجائزة العراقية فهي مقابل الصفقة مع روسيا عقدت صفقات مع العراق بمبلغ يصل الى 12,4 مليار دولار. أيضاً وهو الأهم أن واشنطن قدّمت الى موسكو جائزة ترضية تساوي خسائرها في ليبيا، وقد تفتح لها الباب لاحقاً في ليبيا لصفقات أسلحة خصوصاً وأن الليبيين اعتادوا السلاح الروسي. كل هذا يسمح لواشنطن بالتفاهم مع موسكو حول ملفات عديدة في رأسها مستقبل سوريا والحل فيها. طالما أنه لم يُتخذ قرار أميركي نهائي بإسقاط الأسد بالقوة. لا شك في أن أي تفاهم روسي أميركي حول سوريا، يعني نقطة النهاية للأسد، وخروج سوريا من قلب دائرة النار وضبط امتداداتها الاقليمية.
الدول والقوى السياسية تتحرك حالياً بقوة ضمن فترة الوقت الضائع، لتكون جاهزة عندما يدق الجرس الأميركي مع انتخاب الرئيس الجديد، سواء كان باراك أوباما أو رومني. أوباما 2 لن يكون نسخة مكررة لأوباما -1. كما أن رومني في البيت الأبيض غير رومني المرشح للرئاسة.
عاجلاً أم آجلاً ستتم معرفة حقيقة المواقف، ابتداءً من موسكو وصولاً الى بغداد. أما طهران فإن لها حسابات أخرى أخطر ما فيها أنها تخوض حربين، واحدة داخلية اقتصادية، وأخرى في سوريا على أساس أنها المعركة الأخيرة، علماً أن خوض معركة على اساس أنها الأخيرة، خطأ استراتيجي كبير يدفع نحو الدخول في مخاطرة، والذهاب بعيداً في تحدٍ ثمنه مرتفع جداً خصوصاً أن الخصم هو الولايات المتحدة الأميركية والشعب السوري المظلوم.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.