8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الحل السياسي بين مَن ومَن؟

الثورة في سوريا سياسية بامتياز. ثورة لا طائفية ولا مذهبية. لم يقل الثوار منذ عشرين شهراً إنّهم يثورون ضدّ العلويين، ولم يقل العلويون إّنهم يقاتلون السنّة دفاعاً عن أنفسهم. الثورة هي بين شعب صُحِّر سياسياً طوال أربعين عاماً، وقُمع كما لم يُقمع شعب آخر وسط صمت مطبق من العالم خصوصاً من الكثيرين الذين يدعمون اليوم الديموقراطية والديموقراطيين، ومتاجرة علنية بالممانعة والمقاومة، جمعت بين تصفية مقاوِمين وفتح طرق لوجستية شرط أن تُحترم إرادته قبل أن تقاوم وتحرّر في لبنان وفلسطين والعراق.
مهما تفنّن النظام الأسدي في فنون الشيشنة وتدمير سوريا دون رحمة بحق الشعب السوري وثرواته التاريخية والمادية، فإنّ الخطر يبقى في ضرورة عدم انزلاق أي طرف سوري أو عربي إلى مستنقع الطائفية. في هذا الانزلاق تكمن النهاية الأليمة للثورة حتى لو سقط النظام الأسدي. الثورة ليست فقط في تحقيق النصر. من المهم جداً المحافظة على أخلاق الثورة والثوار، بعكس طبيعة أي نظام ديكتاتوري ومساره في التاريخ. أي تطييف أو مذهبة للثورة، يشكّل انتحاراً مضموناً بـالروليت البلجيكية.
النظام الأسدي نفّذ خريطة طريق بنجاح واقتدار. منذ البداية أدرك أنّ سلمية الثورة ومدنيتها، تشكلان مقتلاً منه، لذلك ضغط طوال ستة أشهر حتى يندفع الثوار نحو العسكرة. كل يوم جديد في العسكرة والشيشنة، يرتفع منسوب التطرّف من الجهتين. لكن إذا كان تطرّف النظام الأسدي وشبيحته نتيجته معروفة، فإنّ التطرّف على جبهة الثوار ترجمته صعود القوى الظلامية على حساب جميع الثوار. هذا الصعود يشكّل حبل الإنقاذ للنظام، لأنّه بواسطته يمكنه تبرير كل الجرائم. أيضاً يشرعن خبث الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية في عدم تقديم السلاح والمال للثورة والثوار. الجميع يعلم أنّ تأييد الثوار غربياً وعربياً ما زال في أكثره ظاهرة صوتية. طالما أنّ الثوار لم يحصلوا حتى على تسليح فردي متماثل، وطالما أنّ الثوار لم يحصلوا على صواريخ أرض جو وأخرى مضادة للدبابات، سيبقى الخلل في التوازن لمصلحة النظام الأسدي. أيضاً من أعمدة الخبث الغربي والعجز العربي، انتظار الموقف الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية. لا يمكن المراهنة كثيراً على تغيير الموقف الأميركي جذرياً وبسرعة. استمرار المواجهات تُقدم للولايات المتحدة الأميركية ولإسرائيل هديّة استثنائية هي دمار سوريا دولة وشعباً. سوريا ضعيفة، بلا قرار سياسي وازن، حلم أميركي إسرائيلي. الممانعون وضعوا العرب أمام خيارين لا ثالث لهما، بقاء الأسد إلى الأبد أو لا أحد.
يكاد ينتهي الوقت الضائع. ساعة الحقيقة تقترب. الانتخابات الرئاسية اقتربت. العد العكسي بدأ. اوباما-2 لن يكون اوباما-1. رومني المرشح لن يكون كما الرئيس رومني. متى حصل ذلك، ينتهي الخبث القاتل ويبدأ العد العكسي للخيارات المؤجّلة. من الواضح أنّ الجميع يدرك اقتراب ساعة الحقيقة، ولذلك كل طرف يستعد لارتداداتها. كل ما يُطرح وسيُطرح خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، ليس مبادرات، إنما أكثر من أفكار واقل من مبادرات. الموقف الأميركي سيكون حاسماً، في صياغة خريطة طريق للحل في سوريا.
الحل العسكري يبدو مستبعداً. سوريا ليست ليبيا. الموقع الجيو سياسي لسوريا، وتشكّل حرب باردة ولو صغيرة بين موسكو وواشنطن، وإصرار طهران على أنها تخوض فيها المعركة الأخيرة في الحرب الطويلة ضدّها، وضع حداً للخيار العسكري. الحل السياسي هو المطروح. ليس من السهل وقف المواجهات المسلحة في سوريا حيث الاسد ونظامه الأسدي من جهة والثوار على مختلف توجهاتهم ونزعاتهم من جهة اخرى يعتبرون ان بقاء الطرف الآخر تعني نهايته. لكن لأنه يمكن أن يرحل نظام وتبقى الدولة، في حين من المستحيل رحيل شعب أو حتى نصف شعب وبقاء نظام فإنّ الحل يبدأ من كيفية وقف إطلاق النار، والبدء بفترة انتقالية، والحوار بين الدولة والمعارضة. هذه البنود تبدو الجامع الوحيد لكل الأفكار والطروح. لكن في التفاصيل يكمن الانزلاق إلى الفشل إلا إذا قامت الولايات التحدة الأميركية وبالتوافق مع روسيا في ضمان الحل.
من التفاصيل القاتلة، كيف يتم إقناع النظام الأسدي بوقف إطلاق النار وآلته الحربية لا تتوقف؟ وكيف يمكن إقناع فصائل المعارضة والثوار بالخروج من المدن والقرى والشوارع وإلى أين؟ وكيف يمكن تحديد الفترة الانتقالية ومن يديرها وينفذها؟ وماذا عن بشار الأسد وموقعه؟ ومَن يحدّد قوى المعارضة التي ستتحاور مع الحكومة الانتقالية؟ إيران وروسيا لا تريان حلاً بلا الأسد. كل الطرق عندهما تقودان إلى بقائه. لكن في لحظة معينة يمكن أن يفترق الروس والإيرانيون. لافروف كرّر مراراً أنّ بلاده ليست متعلقة بالأسد، في حين أنّ إيران تكرّر من القمّة إلى القاعدة أنّ بقاء سوريا من بقاء الأسد والعكس صحيح. المشكلة إذاً في واشنطن. الضمانات التي تقدمها لموسكو تشكّل المدخل الطبيعي للحل.
تدمير الجامع الأموي في حلب، ومسارعة الأسد إلى تقديم الدعم لإعادة بنائه، تشبه إطلاق الخاطف النار على الرهينة وعرض تقديم المساعدة لشفائه. لا مجال للتفاهم مع الأسد ولا مع نظامه الأسدي ولذلك فإنّ على الشعب السوري الاستمرار في دفع ضريبة الحرية من دمائه وثرواته التاريخية والمادية والأخطر في موقع سوريا من صناعة القرار العربي، حتى يتبلور الحل برحيل الاسد.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00