شعور الرئيس بشار الأسد بالقوة، دفعه للاستقواء على لبنان والأردن، مؤكداً بذلك نهج والده، اطفاء نار الداخل بنار الخارج. عملية اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، أعادت للنظام الأسدي، وهج قدراته وإمكاناته الضخمة ودقّته وقدرته المتكاملة على تنفيذ مثل هذه العملية المفصلية، بعد فشل عملية سماحة المملوك نتيجة لتضخم منسوب الثقة لديه والاستخفاف باللبنانيين وجهاز المعلومات بقيادة اللواء الشهيد الحسن.
لم يكن الحسن قائد جهاز أمني فقط. كان ركناً في التوازن الأمني الداخلي. جمع الحسن في شخصه وعمله ضفتين متكاملتين: تشكيل مظلة أمنية في الداخل لقوى مهددة يومياً وعملاً متواصلاً مع الخارج لحماية كل الداخل اللبناني من جهة، ومن جهة أخرى صياداً نادراً وبارعاً، اصطاد أقوى شبكات التجسس الاسرائيلية، فكان بذلك المقاوم الكبير دون ضجيج ولا تبجح إعلامي. كان صمت القادر والناجح أكبر وسام على صدر وسام.
فشل المبعوث الأممي الأول كوفي أنان، والفشل المرتقب للثاني الأخضر الابراهيمي الذي لم يحصل حتى على موافقة أسدية لهدنة تخفف عدد القتلى في سوريا، واستمرار التأكيدات الغربية باستحالة الحل العسكري الخارجي والداخلي معاً، وعدم تسليح المعارضة، بحجة انتشار مجموعات واسعة للقاعدة والجهاديين، كل هذا دفع الأسد للقول انه لن يترك السلطة كما نقل عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
لم يعد النظام الأسدي يبالي بالضغوط، عدم المبالاة ناتجة من يقين الأسد انها ضغوط هوائية لا مفعول لها. المشكلة الكبرى بعد عشرين شهراً على الثورة في سوريا، ان أصدقاء سوريا يقولون أكثر مما يفعلون، في حين أن حلفاء الأسد خصوصاً روسيا وايران يفعلون أكثر مما يقولون.
أبعد من ذلك، ان موسكو وطهران تعرفان جيداً أن نسبة نجاح الحل السياسي صفر، لكنهما ينسقان مع الأسد على استمرار المعركة مع التركيز ميدانياً. بذلك يمنح حلفاء الأسد للأسد الوقت والامكانات لمتابعة الحرب، والصمود في وجه الضغوط الهوائية.
هل يعني ذلك اليأس والتسليم بضرب الثورة في سوريا؟
لا يتعلق الأمر بالامل ولا بالتمنيات، لكن من الواضح أن مسار استقواء الأسد لن يستمر طويلاً. الأرجح أن النظام الأسدي لن يترك لحظة واحدة في الفترة الزمنية القادمة الا وسيصعّد في الداخل والخارج معاً. شيشنة سوريا مستمرة وبوتيرة أعلى. جريمة اغتيال اللواء الحسن حلقة في مسلسل طويل بدأ مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسابقاً في اغتيال الشهيد كمال جنبلاط، ولن يتوقف. النظام الأسدي سيضرب في أي لحظة مناسبة له، وفي أي موقع يحقق له بث الخوف والقلق على أمل أن تسلم له الأطراف الداخلية والخارجية خصوصاً في لبنان ببقائه الى الأبد.
مؤشرات ووقائع عديدة بدأت بالظهور تؤكد أن بيت العنكبوت يحاك بسرعة استعداداً لسقوط الأسد ونظامه، من ذلك:
*تزايد الوعي العربي والدولي أن النظام الأسدي تحول الى ميليشيا هائلة القوة منخرطة في قتال بائس من أجل البقاء. بذلك يدمّر الأسد الدولة والجيش معاً في وقت يدعي الجميع أنهم يريدان بقاءهما.
*القبول بالجزء الآخر من المعادلة، وهي أن المعارضة مهددة بكل اشكال التطرف. الدم يستسقي الدم. القمع الشيشاني الذي يمارسه النظام الأسدي، فتح الباب على مصراعيه لعسكرة الثورة أولاً ثم لنمو الأصولية وفتح الأبواب مع قوى ظلامية وإرهابية لا تعرف شيئاً من تركيبة سوريا وموقعها في خريطة الشرق الأوسط، كمركز مهم تتقاطع فيه التوازنات الاجتماعية والطائفية والسياسية. هذا القبول بدأ يتمظهر في أوروبا في تبلور معادلة واضحة أنه يجب العمل لوقف ارهاب الأسد وعائلته طريقاً لوقف ارهاب الأصوليين في سوريا. مجرد المساواة بين الارهابين الأسدي والأصولي يفتح مساراً جديداً لعمل متكامل طال انتظاره لانقاذ سوريا من الخطر وفي الوقت نفسه انقاذ لبنان والأردن والمنطقة معهما.
*ان موسكو رغم كل انخراطها في دعم النظام الأسدي لمواجهة عملية جديدة تجري لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط كما قال لافروف، فإن هذا الصقر البوتيني، اعترف لأول مرة أن نسبة المؤيدين للأسد هي ثلاثين في المئة، بعد أن كان قبل أسابيع يقول ان سبعين في المئة من الشعب السوري يؤيده، أما الجديد الآخر في هذه النسبة، فإنها تعود، لأن الأقليات القومية والدينية تعتبره ضامناً لحقوقها.
حتى ولو كان كل ما يقوله الوزير الروسي صحيحاً، فإن مجرد نجاح المعارضة في الشفاء من انتشار ميكروب التطرف، ينتج ضامناً أقوى لهذه الأقليات، وهو أهم بكثير من أقلّوي مثل الأسد يضمن أقلّيات، التي من حقها أن تقلق نتيجة لوقوع أخطاء معيّنة في يوميات الثورة. لكن لا يحق لها الطلاق مع الأكثرية القادرة والتي من واجبها اعطاء الضمانات طريقاً الى السلم الأهلي.
معادلة واضحة تتشكل بسرعة أمام العالم: كل معركة شيشانية، تنتج خطراً أصولياً قاتلاً لسوريا وللآخرين. وعي العالم، وتحديداً أوروبا اليوم والولايات المتحدة الأميركية غداً، بهذه المعادلة يقرّب نهاية النظام الأسدي والأسد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.