زيارة الرئيس فرنسوا هولاند إلى السعودية ولبنان، حدث مهم. ربّما كان يجب أن تحصل قبل الآن، لكن يبدو أنّ الفترة الانتقالية كانت قاسية ومتعبة للرئيس الفرنسي المُنتخب. الشرق الأوسط ليس تفصيلاً بالنسبة لفرنسا. بالعكس، إنّه مركز أساسي في كل سياستها، تاريخياً. في قلب هذا المركز يوجد لبنان، ليس لأنّه مؤثر أو غني أو فاعل، بل لأنّه رغم كل المتاعب التي يواجهها ويتعب بها الآخرين خصوصاً فرنسا، يبقى مهماً جداً لها لأسباب تاريخية وثقافية, وجسراً لكل السياسات في المنطقة.
الرئيس الفرنسي اختار السعودية محطة أساسية في جولته. الوقت القصير الذي سيمضيه في السعودية، سيكون غنياً جداً باللقاءات التي في رأسها اللقاء مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. هذه الجولة مقدّمة للزيارة الطويلة التي ستتم في مطلع العام المقبل. في جميع الأحوال تبقى السعودية بالنسبة لفرنسا نقطة اتصال وتواصل مع العالمَين العربي والإسلامي. علاقة الشراكة بين باريس والرياض أفادت البلدين في المجالين السياسي والاقتصادي. السياسة خدمت الاقتصاد والعكس صحيح في تثبيت هذه الشراكة، وتنميتها.
سوريا ستكون في قلب لقاءات الرئيس الفرنسي مع العاهل السعودي. الرياض وباريس يربطهما الهمّ السوري بقوّة. كيفية ترتيب الأوضاع وتعزيز المعارضة السورية يبدو أنّه الشغل الشاغل للعاصمتين. ليس مسموحاً بالنسبة لهما خروج بشار الأسد من الجحيم الذي صنعه ويغذّيه يومياً بمذابح تجاوزت في وحشيتها ودمويتها كل المجازر التي عرفها العالم منذ مطلع القرن العشرين. وقعت حروب أهلية كثيرة سقط فيها مئات الآلاف من الضحايا. لكن لم يسبق أن تولى رئيس دولة قصف العاصمة والمدن والأرياف بالطائرات والدبابات حتى يبقى إلى الأبد. هذا الوضع الذي كل يوم يرتفع فيه منسوب الخطر على المنطقة هو الذي يقلق فرنسا والسعودية. تزاوج إرهاب الاسد مع إرهاب المجموعات الإسلامية يزيد من مخاوف أوروبا وتحديداً فرنسا. أيضاً جنوح الأسد نحو تفجير كل الدوائر التي تكمن فيها ألغام تاريخية, ليبعد عن نفسه خطر الانفراد بقمع الشعب السوري أثار ويثير مخاوف الجميع. يعتقد الأسد أنّ تفجير القنبلة الكردية في وجه تركيا، والفلسطينية الفلسطينية في وجه العرب، وتهديد الأردن، وإضرام النار في اليمن بالتعاون مع إيران، ينقذه. كما يبدو العكس صحيحاً.
الديبلوماسية الفرنسية ناشطة في مساعدة المعارضة السورية على الانتظام والتنظيم وصولاً إلى الوحدة أو الاتحاد، أو أي صيغة تسمح بتقديم ممثل شرعي ووحيد للمعارضة، تسهيلاً للدعم السياسي والمالي والتسليحي. التفاهم السعودي الفرنسي حول سوريا، يدفع باتجاه ملاقاة الموقف الأميركي المتشكّل بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. من الضروري أن يجد الرئيس الأميركي الجديد خصوصاً إذا كان باراك اوباما هو الفائز، تفاهماً فرنسياً سعودياً. مثل هذا الوضع يعجّل القرار الأميركي الإيجابي. لم يعد مقبولاً بأي شكل من الأشكال، البرودة الأميركية أمام اللهيب الاسدي في سوريا. حان الوقت لتبلور موقف أميركي مترجم ميدانياً في جميع المجالات. إذا كان التدخّل العسكري الأميركي مرفوضاً وغير ممكن، على الأقل يمكن توجيه رسائل ميدانية للأسد وللروس معه أنّه حان الوقت لصياغة مبادرة حقيقية قابلة للتنفيذ بعيداً عن الغرق في التفاصيل التي سرعان ما تتحوّل إلى ألغام يحاذر الجميع الاقتراب منها.
أما زيارة هولاند إلى لبنان، فإنّها إلى جانب خصوصية العلاقات الفرنسية اللبنانية، فإنّها بلا شك جزء أساسي من الهمّ الفرنسي السعودي المشترك. لقاء الرئيسين فرنسوا هولاند وميشال سليمان تأكيد عملي على أنّ لبنان كان وما زال منذ بداية الثورة في سوريا قبل عشرين شهراً، تحت مظلة دولية وعربية تصون سلمه الأهلي رغم كل التفجيرات المحدودة حتى ولو كان منها تفجير بحجم اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن.
الرئيس الفرنسي وإن كان يؤكد بزيارته للبنان تضامن فرنسا الثابت والقوي مع كل لبنان، فإنّه بلا شك يشكّل دعماً كبيراً للمؤسسة الرئاسية والرئيس ميشال سليمان في هذا الوقت الصعب، خصوصاً وأنّ سليمان نجح في الأشهر الأخيرة، رغم حدّة الوضع السوري وانعكاساته على لبنان، وفي صلب ذلك كشف شبكة مملوك سماحة على يد اللواء الشهيد الحسن، حُسن خياراته وصوابية المسار الوسطي الذي يسير فيه.
المنطقة كلها في حالة رقص على صفيح ساخن جداً. النار السورية ترفع يومياً من هذه السخونة، وهي ستزداد ارتفاعاً في الأسابيع المقبلة. كل طرف يريد قلب التوازنات لمصلحته من دون النظر إلى كلفتها المرتفعة من دماء السوريين وأملاكهم ومستقبلهم. أيضاً في الوقت نفسه ستتكشف اللقاءات الدولية وطرح الأفكار والمبادرات، حتى تدق الساعة وتتبلور الصيغة النهائية لإخراج سوريا من قلب النار لأنّ كل يوم تأخير يرفع الحضور الظلامي للقوى المتطرّفة سواء الأسدي منه أو السلفي على السواء.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.