الولايات المتحدة الأميركية تتغير. أميركا البيضاء، تتراجع أمام أميركا الملونة. أميركا المتطرفة يمينياً تنحسر أمام الوسطية والاعتدال. أميركا التي تتصيد فرصة لخوض حرب محدودة أو ضخمة تؤكد بها أنها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في العالم. تنطفئ أمام واقعية سياسية بأنه توجد ألف وسيلة ووسيلة لتكون كلمتها مسموعة ومأخذواً بها. باراك أوباما هو الرئيس الديموقراطي الثاني بعد بيل كلينتون الذي ينجح في التجديد لولاية ثانية منذ أكثر من ستين سنة. إحداثيات الانتخابات تؤكد عمق التغيير.
عندما تنتهي الولاية الأولى للرئيس القادم بعد أوباما، أي العام ، يتناصف البيض مع الناطقين باللغة الاسبانية المعروفين بـالسبنش والأميركيين الزنوج. بعد ذلك يصبح الباب مفتوحاً أمام تحولهم إلى غالبية مطلقة مما يعني أن أوباما لن يكون استثناء وإنما حالة ستترجم سريعاً, واليوم الذي ينتخب فيه لاتيني للرئاسة لن يكون بعيداً، لذلك شدّد أوباما في خطاب الفوز على الإيمان بأميركا متسامحة ومن نافذة للمهاجرين. أيضاً وهو مهم جداً, لم يتقدم ميت رومني إلا عندما ابتعد عن التطرف اليميني لحزب الشاي وتقدم باتجاه الوسط. لذلك يقال غداة الانتخابات إن الحزب الجمهوري يتطور ويبتعد عن التطرف أو سيلقى مزيداً من التراجع خصوصاً وأن الصوت اللاتيني والزنجي مع هذا التوجه. أوباما حصل على بالمئة من أصوات الأميركيين الزنوج. يضاف إلى ذلك، وهو مهم، أن الكاثوليكية تتقدم والكنيسة الإنجيلية تتراجع بسبب تزايد اللاتين. الشباب صانعو المستقبل الذين هم بين و سنة اقترع ستون بالمئة منهم لأوباما في حين أن أميركا العجوزة أي الذين هم فوق سن سنة اقترعوا لرومني. الشباب اختاروا أوباما لأنه براغماتي لأن الحرب ليست خياره الأول فهو حذر جداً. لكنه في الوقت نفسه ليس مستعداً للتنازل عن هيبة بلاده, لكل شيء حدوده.
أمام أوباما الثاني ولاية صعبة مليئة بالملفات الداخلية الحساسة لمستقبل البلاد كلها وملفات خارجية بعضها خطير في زمن التحولات الصعبة واعتقاد قوى كبرى مثل الصين وروسيا بأن لها حق المشاركة بصناعة القرارات الدولية. ما يدعم أوباما ويقويه أنه في الولاية الثانية يصبح أكثر حرية وأقوى في مواجهة اللوبيات الكبرى فهو ليس بحاجة لها لدورة رئاسية أخرى.
داخلياً، على أوباما العثور على خطة تنعش الاقتصاد الأميركي بعد أن نجح في ضبط خسائر الكارثة المالية. البطالة ما زالت بنسبة بالمئة وهي منتشرة بين الشباب أي قاعدته الانتخابية. لكن اليد الواحدة لا تصفق. منذ الآن تقول الأوساط الاميركية المؤثرة والأوروبية المعنية بخروج أميركا من أزمتها، على الجمهوريين الذين يشكلون الأكثرية في الكونغرس أن يتعاونوا مع الرئيس لأن استمرار الوضع الاقتصادي على حاله من دون حلول حقيقية وجذرية من مسؤولية الجميع والنتائج تلحق بالجميع.
خارجياً، أمام أوباما ملفات الشرق الأوسط المشتعلة. اسرائيل تبقى وآمنة في السياسة الأميركية. لن تتغير سياستها الضامنة لأمن اسرائيل. لكن على بنيامين نتنياهو أن يتغير حتى مواعيد انتخابه. أساء نتنياهو كثيراً إلى أوباما عندما تدخل علناً الى جانب خصمه رومني. الأميركيون معلقون بإسرائيل لكنهم لا يتحملون أن تشاركهم إدارة حياتهم السياسية. على نتنياهو تقديم تنازلات مهمة حتى تعود المياه الى مجاريها مع الرئيس الأميركي. يجب ألا يستعين أحد بأوراق الضغط التي يملكها الرئيس الأميركي.
إيران والتعامل مع ملفها النووي وطموحاتها السياسية، ملف معقد جداً لأن هذا الوقت ليس وقتاً للتلاعب معه. إذا كانت الحرب العسكرية خياراً صعباً لكنه ليس مستحيلاً فإن لدى أوباما المزيد من أنواع الحروب الفاعلة والمؤثرة والمنتجة. إضعاف إيران اقتصادياً سيستمر عبر العقوبات، أيضاً حرب الظلال تتصاعد، أوباما فتح باب التفاوض المباشر باتجاه آية الله خامنئي رغم كل التصريحات التي تبارى قادة الحرس والجيش حول تكسير أسنان أميركا في فمها أرسل موفداً عنه ليفاوض. لم يعد سراً أن الدكتور علي ولايتي وزير الخارجية الأسبق ومستشاره للشؤون الخاصة والمرشح المحتمل للرئاسة يتفاوض مع الإدارة الأميركية. إضعاف كل طرف للطرف الآخر جزء أساسي من لعبة المفاوضات. عقدة أخيل لدى الإيراني أصبحت معروفة، وهي سوريا لذلك تخوض إيران معركة بقاء الأسد في السلطة الخط الأخير أمام خسارتها للحرب. واشنطن مضطرة لحسم موقفها. لا يمكن الاستمرار في لعبة عدم السماح للمعارضة بالحسم وفي الوقت نفسه عدم هزيمة الأسد ونظامه. تنظيم المعارضات السورية دخل مرحلة جديدة تكاد تشبه مرحلة مؤتمر لندن للمعارضات العراقية. يبدو أن الأسد فهم ذلك, لذلك رفع صوته بخراب العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي. يستطيع الأسد أن يغش الأسديين لكن لا يمكنه أن يستغبي العالم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.