الانقسام العمودي في المجتمع المصري حول الدستور وما جرى ويجري من صدامات بعضها دموي، دلّ على امتلاك الاخوان المسلمين والسلفيين مجموعات ميدانية مدرّبة ومعبّأة، أثار المخاوف وحتى الخوف من انزلاق مصر نحو مستنقع الحرب الاهلية. لا شيء مستحيل. الأسباب العملية وحتى الموضوعية موجودة في كل المجتمعات العربية. يمكن توجيه الاتهامات الى الغرب لانه زرعها ويستثمرها عندما تتطلب مصالحه ذلك، ولكن يجب الاعتراف وفي ذلك بداية ناجحة للعلاج، بأن اصل المشكلة هي في كل المكونات الاجتماعية العربية، وان الأنظمة التي توالت نجحت في تحقيق إنجاز حقيقي وعميق في تصحير الحياة السياسية، وعملت لتأليب الاخ على أخيه فكيف بالمكونات المستندة الى انتماءات طائفية ممتزجة بمصالح اقتصادية؟
ولكن ما يرفع من منسوب الخوف من خطر الحرب الاهلية انها ليست من نمط واحد وان اللبننة ليست مثالا أحاديا لكل الحروب الاهلية، فلهذه الحروب صيغ وأشكال متنوعة وبالتالي نتائج مختلفة. الدليل ان الصوملة والعرقنة وغيرهما هما من صلب الحرب الاهلية بطريقة من الطرق.
لا شك في ان لدى الاخوان المسلمين شبقا وجوعا للسلطة. ستون عاما من الابعاد والقمع وظهور فرصة تاريخية لتسلم السلطة وتنفيذ خطهم الفكري وإمكانية بنائهم الدولة التي يريدونها عززت تسرعهم للإمساك بالسلطة بكل ما يملكون من قوة، متناسين ان وضع الدستور الذي هو عمليا الرابط الذي يربط كل المكونات الشعبية بالوطن لا يتم وكأنه نتاج نظام قائم بصيغه وكأنه مرسوم رئاسي لا يأخذ بعين الاعتبار الآخرين، خصوصاً في زمن لم تنته فيه الثورة ولم تعد كافة القوى التي صنعت الثورة الى منازلها، فما زال أرباب نوبة صاحي متأهبين للعودة الى الميادين. من المهم الآن المراقبة القريبة للأحداث في مصر، لتقديرالمسارات التي ستأخذ مصر الى بر الأمان او الغرق في تعقيدات جديدة تجعل أسوأ السيناريوهات اقربها الى الواقع. حتى ذلك الوقت لا تبدو مصر منزلقة فعلا الى الحرب الاهلية. وما يعزز ذلك:
ـ ان نوعا من تحالف الأقوياء قائم، وان هذا التحالف مشكل من الاخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية ومدعوم من الولايات المتحدة الاميركية، وضمان السلم الاهلي في صلب هذا التحالف. والمفروض في مثل هذا التحالف الضمني ان تكون مصالح الجميع مضمونة، والاخوان يحكمون لكن من دون الذهاب الى حد التفكير بإقامة جمهورية ولاية الفقيه السنّية، إذ يكفي الولايات المتحدة الاميركية الجمهورية الاسلامية في ايران، ومشروع اقامة الخلافة الاسلامية غير مقبول وغير ممكن، لان توحيد منطقة الشرق الاوسط بأي طريقة من الطرق يخرج الغرب من واضع لخرائط ومسارات المنطقة الى مجرد مراقب او طرف غير فاعل ولا مؤثر. والواقع ان هذا الغرب وتحديدا الولايات المتحدة لم يقدما استقالتهما ولا تحضران للتخلي عن مصالحهما. اما الجيش المصري فانه حكما ليس الجيش السوري الذي وصلت قياداته الى حد قصف الشعب السوري بالطائرات، وحتى بالصواريخ. للجيش المصري مصالح يريد ان يحافظ عليها. والاهم استقلاليته في مجالات كثيرة ومن الواضح انه يوجد توافق من مختلف القوى وليس فقط الاخوان على متابعة ضمان هذه الخصوصية. مصر حتى ولو سيطر الاخوان ما زالت في مطلع المرحلة الأربكانية التي عاشتها تركيا وما زال أمامها مراحل عليها عبورها للدخول في المرحلة الاردوغانية.
ـ ان الازهر يشكل حاليا شبكة أمان. من حظ مصر ان شيخها الكبير هو المعتدل الدكتور احمد الطيب. الأزهر الذي يعرف اكثر من كل الاخرين ان المصريين متدينون وليسوا إسلاميين. وان مصر وسطية. الازهر قادر على ضبط انحراف مصر نحو التطرف، ويمكن له أن يلعب دور صمام الأمان بالضغط على الاخوان بكل ما يملك من شرعية متوافق عليها، كما باستطاعته ضبط اي تطرف لدى بعض التيارات المدنية كما فعل من خلال إشراك فعاليات ومثقفين مدنيين في وثيقة الازهر.
مشكلة القوى المدنية انها غنية ومتنوعة ولكنها ليست موحدة وهي وإن كانت اكثر من نصف الشعب المصري ولكن ما لم توحد جهودها وتخفف من تنافس قياداتها فإنها مرشحة لخسارة المعركة. الاستفتاء اختبار حقيقي لكيفية إدارة الوضع وحتى المواجهة. المهم الا تجعل اي خسارة، سواء كانت متوقعة او مفاجئة، الكرة في ملعبها. حتى الان وقعت في أخطاء مهمة، وكيفية الاستفادة من دروس هذه المرحلة يتشكل جسرها للعبور بمصر الى النظام الديمقراطي التعددي.
من مصلحة القوى العربية لعب دور الاطفائي وليس مشعل النار مهما كانت مصلحتها ملحة. وقد أثبتت العقود الماضية ان لا احد يرث الموقع ولا الدور المصري، وان من مصلحة كل هذه القوى دعم مصر خصوصا ان تغييب مصر يعني الهيمنة التركية - الإيرانية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.