استمرار تصعيد العسكرة في سوريا يقود الى الصوملة. هذه قناعة يرتفع منسوبها يوماً بعد يوم، في الأوساط السورية بما فيها مكونات وشخصيات من المعارضة السورية. ما يعزز هذا الموقف ان قناعة اخرى تنتشر في الأوساط السورية ان صعوبة الحسم العسكري وابتعاد الحل السياسي يقودان الى ذلك. وهذا يقع سواء لأن الرئيس بشار الاسد يختصر سوريا بشخصه ويرى فعلاً ان وجوده من وجودها، او لأن طبيعة تشكل وتكوين المعارضة السورية لا تسمح بالقفز سريعاً نحو استنباط صيغة تقود الى النصر سريعاً او، وهو مهم، لأن قوى خارجية عدة ليست مستعجلة على الحل لأنه لم ينجز بعد على قياسها. لكن هذا لم يحل دون العمل على طبخ الحل ولو على نار هادئة جدا، لأنه اذا كان من مصلحة قوى عدة ومنها الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، ان تكون سوريا ضعيفة وحتى خارج دائرة الفعل والقرار في المنطقة لسنوات عدة، فإن تحولها الى دولة فاشلة بعد صوملتها يشكل خطراً داهماً على منطقة الشرق الاوسط وبالتالي هذه القوى المعنية بها.
بين هذه الرغبة وهذا الخوف، يبدو ان طباخة الحل تجري على نار هادئة جداً. مبادرة فاروق الشرع مهما تعددت الأسئلة حولها وأثارت الكثير من الشكوك فإنها تبقى حجراً رمي من قلب النظام في قلب المستنقع. شخصيات كثيرة ومتعددة في انتمائها ومواقفها من المعارضة السورية التي التقطتها في الدوحة التي تبدو وكأنها عاصمة تتحرك منها وعبرها، تؤكد ان حراكاً جدياً يظهر على صعيد البحث عن صيغة للحل تخرج سوريا من دائرة النار. وقد لوحظ مؤخراً على اكثر من مستوى خصوصاً بعد ان تبلورت صيغ عملية لتوحيد المعارضة المدنية والعسكرية، وبعد ان اعترفت واشنطن وأكثر من مئة دولة بالائتلاف رسمياً وأن الاتصالات تكيّفت كما أن أبواباً كانت مغلقة فتحت ولو مواربة احياناً.
ايران التي بذلت الغالي والرخيص من اجل انتصار الاسد، واستمرار النظام الأسدي الذي فتح لخطابها الفكري والديني بوابة الحدود مع فلسطين، بدأت تشعر ان الانتصار مستحيل وان التغيير قادم ولو فوق بحر من الدماء، خصوصاً ان شرائح واسعة من الشعب السوري لم تعد تقبل بأي حلّ مع الاسد، لذلك حاولت صياغة حل يُبقي على الاسد ولو رمزياً حتى لا تعلن هزيمتها بالضربة القاضية، ولتحقيق ذلك كثفت من دعواتها شخصيات من المعارضة الى اللقاء معها في طهران وفي عواصم أخرى، ومن ابرز هؤلاء هيثم المناع. وقد وصل الامر الى درجة انها سمحت لصحفها الرسمية نشر مقابلة معه بدت ردودها أقسى بكثير مما اعتاد المناع على قوله في عواصم اخرى حول الاسد واليأس منه ومن نظامه وضرورة ان يكون الحل على حسابه. ولولا حسابات بعض المعارضين من ردود الفعل القاسية من الداخل السوري لذهب والتقى علناً المسؤولين الإيرانيين، علماً ان اللقاءات ليست مستبعدة تبعاً للتطورات. حتى حزب الله ورغم الألم المواكب لكل الأحاديث للمعارض فانهم يؤكدون ان لا عداء معه وان بينهما قضية مشتركة معه لاحقاً وهي مواجهة الاحتلال الاسرائيلي لان اسرائيل لن تنسحب من الجولان وسوريا ضعيفة الى هذه الدرجة. لكن بناء اي علاقة مستقبلية يتطلب الكثير من الجهود خصوصاً من جانب الحزب، ويؤكد الاكثر اعتدالاً من قيادات المعارضة ان نمو العداء للحزب على الصعيد الشعبي يترسخ وان العداء المذهبي ما زال محدوداً قياساً مع ما يعانيه المعتقلون من ممارسات مذهبية من جانب الشبيحة وأفراد من الجيش، وان إجبار المعتقلين على الشهادة لبشار ليست شيئاً امام الممارسات الاخرى.
اما روسيا فإنها تزداد قناعة بانه لم يعد للأسد مستقبل في اي حل. وان موسكو كثفت من تحركاتها بكل الاتجاهات للتوصل الى حل يبقي على مصالحها في سوريا، وان الآخرين يساعدونها على ذلك لأنه اذا لم تكن قادرة على النصر مع الاسد فإنها قادرة جداً على تخريب اي حل. واذا ما كانت مبادرة الشرع جدية وليست مناورة من الاسد فإن روسيا في قلب هذا الحدث.
ويؤكد المعارض ميشال كيلو انه سيتوجه الى موسكو سريعاً لمعرفة وجهة مسارها بعد ان كاد ييأس منها. اما قيادة الائتلاف المتمنعة عن تلبية الدعوات المتتالية من موسكو فإنها تؤكد استعدادها لتلبية الدعوة والذهاب الى موسكو بسرعة اذا صحت التوقعات في المواقف. ويؤكد معارض له اتصلات مستمرة مع موسكو وواشنطن بسبب دوره السابق ان الاتفاق الأميركي - الروسي قد انجز في أدق تفاصيله خصوصاً ما يتعلق بالأسماء والمواقع والمؤسسات، وانه يجب عدم استبعاد صدور قرار من مجلس الأمن يفتح الأبواب نهائياً باتجاه حل متوازن يجمع بين قدماء من داخل النظام ومن جميع الطوائف ومن مكونات المعارضة المدنية والعسكرية. طبعاً يجب انتظار التطورات للتأكد من دقة هذا التاريخ الذي يختصر الكثير من المراحل.
نقطة واحدة تبدو واضحة للجميع وهي تثير آلاماً لن تنتهي وهي ان سوريا بحاجة الى خمس سنوات لتستقر وعشر سنوات لتنهض، هذا اذا توافر الدعم والمساعدات والرغبة في ان تعود سوريا الى دائرة القرار في المنطقة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.