لم يجد معارض سوري كبير ما يقوله فور انتهاء الرئيس السوري بشار الأسد من خطابه سوى ان على المعارضة الممزقة والمحاصرة مؤخراً ان توجه الشكر إلى الأسد لانه انقذها حتى من الضغوط التي مورست عليها في الفترة الاخيرة. اعرف الأسد جيدا لكن لم أتصور انه سيصل إلى هذا الدرك من الجمود والابتعاد عن الواقع والى هذه الدرجة من الغباء.
الموقف الأسدي لا يخرج عما عرف عن الأسد من مواقف ونظرته إلى الشعب السوري الذي ورثه من والده مع كامل السلطات، لكن الحملة الإعلامية التي سبقت الخطاب وضعت العالم امام إقدام الأسد على تقديم مبادرة جدية تأخذ بعين الاعتبار حوالى عشرين شهرا من الثورة السلمية والمسلحة، فإذا به ما زال واقفاً عند خطابه الاول في مجلس الشعب، لا بل أضاف اليه كمية من العجرفة لا تبلع خصوصاً وأنها طالت الجميع وعلى رأسهم الشعب السوري وأغفلت كل المبادرات وكانها لم تطرح.
انتشاء الأسد إلى درجة رفع سقفه إلى هذا العلو قد يعود إلى رؤية له ترتكز على انه نجح في حشر العالم في زاوية الخوف، ذلك ان السيناريو الليبي ممنوع والعراقي مستحيل والحرب ضد الإرهاب شرعية ومطلوبة، وان المسلحين الغرباء والإرهابيين قد تعبوا خصوصا وانه رغم كل التسريبات الإعلامية ما زال السلاح الثقيل ممنوعاً عنهم وان عملية تجفيف لمصادر السلاح قد نفذت مؤخراً، والاهم ان اسرائيل ما زالت تدعم بقاءه لانه صان حدودها في الجولان كما فعل وعلمه والده حافظ الأسد، وان الولايات المتحدة الاميركية رغم كل كلام الادارة الاوبامية عن ضرورة رحيله ما زالت تقف عند هذا الحد ولم تترجمه فعلياً. وطالما ان أوباما يخاف الحرب فإن كل شيء ممكن، ألم يستخدم كل انواع السلاح بما فيها الصواريخ البالستية الروسية والإيرانية واكتفت واشنطن بعدّها وتحديد نوعها ومصدرها؟.
كل هذه التقديرات الأسدية الخطأ في كفة والموقفان الروسي والايراني في كفة. لولا موسكو وطهران لما بقي الأسد والنظام الأسدي. السؤال البديهي ماذا ستفعل موسكو بعد الرفض الأسدي لجنيف الاولى والثانية؟ هل تتابع دعمها وتغطيتها له حتى وهي التي تملك ملفات ضخمة للتفاوض عليها مع واشنطن تضمن لها مصالحها طالما ان ما يهمها سوريا والدولة وليس الأسد؟ الصمت الروسي على الخطاب حمّال أوجه، ولذلك يجب ملاحقة التحركات الروسية في الايام المقبلة لبناء الموقف على ما سيتقدم.
أما ايران فتبدو وكأنها تعيش أزمة حقيقية بسبب سوريا والأسد. لأول مرة منذ بداية الثورة تتبلور مواقف علنية مختلفة مع المرشد أية الله علي خامنئي. في الوقت الذي يساند فيه خامنئي والمقربون منه واتباعه الأسد، بقوة، مالياً رغم الهزة الاقتصادية التي تعيشها ايران، وعسكرياً التي يضعها قائد الحرس الثوري الجنرال محمد جعفري في خانة المساعدات الفنية لأن سقوط الأسد ونظامه يشكل ضربة قاضية لكل الاستراتيجية الإيرانية وان مستقبل سوريا هو الذي يحدد مستقبل المنطقة.
واكثر من يبلور موقف المرشد رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الذي تربطه علاقة صداقة قديمة بخامنئي الذي قال في الرابع من هذا الشهر ان الجيش السوري والقوى الشعبية تمسك بزمام الامور في كل المناطق، ولا شك في ان هذا التصريح جاء ليدعم موقف المرشد في وجه من يخالفونه الرأي. وقد بدأ كثيرون يجدون الشجاعة لديهم لمعارضة موقف خامنئي.
فبعد الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي يرى حتمية سقوط نظام الأسد وضرورة اتخاذ الموقف المناسب، وتوجيه عدد من جنرالات الحرس رسالة إلى المرشد في الصيف الماضي (نشرت المستقبل في هذه الزاوية بعض المعلومات التي حصلت عليها) سألوه فيها: لماذا نضع كل بيضنا في سلة الأسد؟، اقدم محمد صدر (مساعد وزير الخارجية السابق) على خطوة غير مسبوقة تمثلت في نشر مقال دعا فيه الحكومة إلى اتخاذ الخيار الافضل الذي يستطيع الحفاظ على المصالح الإيرانية والاستعداد لمرحلة ما بعد الأسد.
وكشف معارض سوري بارز انه لدى لقائه وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي قال له باللهجة اللبنانية التي يتقنها جيداً لم أكن أرغب بزيارة دمشق. لقد اضطررت إلى ذلك ضمن اللجنة الرباعية، مما يؤشر إلى دخول رياح الاعتراض على سياسة القيادة من سوريا والأسد إلى قلب الادارة السياسية الايرانية.
القصة الشعبية عن الضفدع والعقرب تكاد تتكرر مع الأسد وروسيا وإيران. لقد حملت الضفدعان الروسية والإيرانية العقرب الأسدية على ظهريهما ليعبر معهما النهر بعد ان وعدهما بأنه لن يمارس طبيعته معهما فيلدغهما وتغرقان معه. خطاب الأسد في دار الأوبرا يؤكد انه لا يستطيع الخروج من طبيعته، ولذلك فانه لن يغرق وحده. موسكو لديها الكثير من القوى والمصالح والخيارات ما يؤهلها لحسم موقفها وإنقاذ نفسها من لدغة العقرب الأسدي، اما ايران فان حزمة خياراتها تخف يوماً بعد يوم، فهل يسارع المرشد إلى تفضيل ايران على رؤيته الاستراتيجية من بقاء الأسد وسقوطه فينقذ ايران من الغرق؟... الوقت يضيق.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.