الحرب في مالي، ليست حرباً استعمارية ولا عنصرية. الحرب برغم رائحة الاستعمار القديم المتصاعدة منها، لأن فرنسا هي رأس الحربة فيها، تبقى عملية دفاع مشروع عن النفس، فرنسا خرجت من مالي قبل نصف قرن، لكنها ستبقى مثلها مثل بريطانيا وايطاليا ولاحقاً الولايات المتحدة الأميركية، مسؤولة عن الكوارث التي لحقت بالشعوب الأفريقية، خصوصاً بعدما زرعت أنظمة لا جذور لها في الأرض الأفريقية، عملت على إكمال نهب ثرواتها وإبقاء بلادها قواعد مفتوحة لهذا الاستعمار القديم.
فرنسا أجبرت على خوض حرب قد تتحول إلى أفغانستان أفريقيا، لا أحد في فرنسا يعرف كم ستطول هذه الحرب، كما أن لا أحد يعرف كم ستكون حجم خسائرها البشرية والمادية. رغم ذلك الأغلبية المطلقة من الفرنسيين تؤيد هذه الحرب، اليسار القديم الذي ما زال مشدوداً إلى الماضي وزمن الثورات، يعارضها. معارضة هذا اليسار لا ترتكز على الواقع، وإنما على شعارات لطالما كانت تزود محركات الثورات بقوة الدفع اللازمة، في حين انها أصبحت اليوم مجرد أعلام ترفرف لتأكيد الحضور وليس لإحداث التغيير.
تقع مالي في قلب الصحراء الأفريقية. تحد مالي الجزائر وموريتانيا والسنغال وساحل العاج وبوركينا والنيجر. لكل دولة من هذه الدول قصة مع فيروس القاعدة أو التنظيمات الجهادية القاتل. سقوط مالي، هو سقوط حجر الدومينو الأول في لعبة قاتلة. ليست اللعبة القاتلة أفريقية فقط. يجب الا يتغافل أحد عن أن الجزائر جزء من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط وانها كانت وما زالت مشكلة فرنسية داخلية. في فرنسا وحدها خمسة ملايين من المهاجرين من هذه الدول المحيطة بمالي معظمهم يحملون الجنسية الفرنسية. لا يمكن لأي دولة في العالم، ولو كانت فرنسا، ضبط الجاليات الاجنبية خصوصا المصابة منها بفيروس الجهادية.
نظرة واقعية للمعركة الأولى خارج مالي التي ضربت مركز لإنتاج الغاز في الجزائر، طوال فترة العشرية السوداء في الجزائر سقط أكثر من 150 ألف قتيل ولم يمس قطاع النفط والغاز. هذه المرة، قطاع الغاز كان الهدف الأول لمجموعة الموقعين بالدم.
الأرجح أن تغييراً عميقاً قد حصل في توجهات وأهداف هذه المجموعات بعد مقتل بن لادن. كون المجموعة المهاجمة تضم عدداً محدوداً من الجزائريين أطاح حتى فكرة المصالح الوطنية، هذه المجموعة مثلها مثل المجموعات التي تتشكل حالياً على مساحة العالم الإسلامي لا يهمها سوى المواجهة أو ما تسميه الجهاد، الخسائر لا تعنيها شيئاً، هنا يكمن الخطر الكبير.
ترددت الجزائر كثيراً رغم زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند، مدّ يد المساعدة للقوات الفرنسية، أخيراً تجرأت وسمحت للطيران الفرنسي بعبور أجوائها، فدفعت الثمن. من المفيد أن تكشف قوى القاعدة عن توجهاتها. الكرة أصبحت الآن في الملعب الجزائري والموريتاني والأفريقي. المتوقع أن تصعد هذه الدول مساعداتها المادية لفرنسا، خصوصاً وانها بحاجة لقوات برية وللمال الذي سعى هولند لتحصيله خلال حضوره المؤتمر الأخير في دبي.
أيضاً وهو مهم جداً. مالي والنيجر تضمان أهم مناجم الأورانيوم التي تورد لفرنسا نصف حاجاتها لتغذية مفاعيلها النووية، من الطبيعي ان تدافع فرنسا عن مصالحها الاستراتيجية حتى لو كانت تنبعث منها رائحة عفن الاستعمار القديم. لكن ماذا سيفعل العالم وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية لو وضعت القاعدة واخوانها يدها على الأورانيوم في المنطقة؟ هل تضمن أي قوة أو دولة في العالم عدم تحول هذه المادة الاستراتيجية في يد القاعدة والجهاديين إلى سلاح إرهابي دولي مدمّر؟
قد تكون فرنسا كما يقول قادة القاعدة قد فتحت في مالي أبواب الجحيم عليها وعلى العالم، لكن لو لم تفتحها بيديها، لكانت القاعدة وما يسمى الجهاديين قد فتحوها على العالم من مالي عليهم خلال السنوات الخمس القادمة، الآن يمكن محاربتهم في عقر دارهم وهم عدة آلاف. بعد سنوات لن يستطيع أحد مواجهتهم ولو انضمت الولايات المتحدة الأميركية اليها التي اختارت الانعزال طلباً للنجاة بعد خسارتها للحربين في العراق وأفغانستان.
عاجلاً أم آجلاً ستدرك واشنطن انه لا يمكنها النجاح والنجاة من العاصفة وهي تستخدم طوق الانعزال، ستضطر واشنطن إلى الحسم حتى ذلك الوقت فإن موقف فرنسا صعب ومكلف.
قدر الدول التي تواجه الخطر بشجاعة أن تتحمّل كلفة قرارها، وخصوصاً أن مستقبل منطقة كاملة معلق على نجاح العملية أو فشلها، هذه الحرب تعني الشرق الأوسط والعرب أكثر من غيرهم لانهم يعيشون اليوم فوق بركان الجهاديين والتوجهات وأنواع التطرّف.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.