مصر، عامان من الثورة. ثورة 25 يناير حيّة، وقادرة على صناعة التغيير العميق والشامل.
حققت ثورة 25 يناير الكثير وبقي الأهم. الاخوان المسلمون سرقوا الثورة، لكن المستقبل يبقى للذين صنعوها، وليس للذين سرقوها. الذين اعتقدوا أن التغيير سيتم فور سقوط حسني مبارك والمباركية التي حوّلت مصر الى دولة مقصرة بلا موقف، يعني انهم لا يعرفون المبادئ الأولى للثورة. ربما لأن العرب اعتادوا منذ قرن على الانقلابات العسكرية والمراسيم التي تصدر بعد البلاغ رقم واحد. يبدو أن العرب ومنهم جزء كبير من المصريين قاسوا التغيير عن طريق الثورة على مقياس التغيير بعد الانقلابات العسكرية، الحالتان متباعدتان. لا علاقة للثورة بالانقلاب. لا يمكن قياس الزلازل بالمقاييس العادية. وحده مقياس ريشتر هو الصالح.
رغم الألم لأن الإخوان المسلمين سرقوا ثورة 25 يناير، فإن السرقة لا تدوم. فشل الاخوان رغم إمساكهم بالسلطة التنفيذية في فرض ما يريدون. نجحوا في السرقة رغم أنهم لم ينضموا الى ثوار ميدان التحرير إلا بعد ثلاثة ايام، لأنهم كانوا متفوقين بماكينتهم التنظيمية بينما كان الثوار بلا تنظيم. جاءوا الى الميدان متفرقين لا يجمعهم إلا حب مصر حرّة وطموحهم للعيش بكرامة. صحيح أن الاخوان تعرضوا للقمع طوال خمسة عقود وأكثر، لكنهم لم يتعرضوا للتصحير كما حصل للتيارات المدنية الأخرى خصوصاً الناصريين منهم. لم تتسورن المسيرة الاخوانية في مصر. لم تقع يوماً في مصر حالة حماة ولم يتعرض الاخوان للحالة البشارية. سرق الاخوان الثورة لأن مصر كانت قد أصبحت ثمرة ناضجة وحان قطافها، فقطفوها.
أصعب من السرقة المحافظة عليها. حتى الآن لم يستطع الاخوان بلورة نموذج سياسي يتمايز عن سياسة النظام المباركي ولا عن توفير سياسات المعارضات الموجودة التي تنضج يومياً في الميادين، وهي تزداد تجذراً في التنظيم وفي التمدد الشعبي. ما يدعم هذا التمدد لكل التيارات المدنية، أن الطبقات الوسطى المصرية لم تقتنع بخُطب الاخوان المتقوقعة في طائفيتها. لم يستطع الاخوان إزالة الضبابية في خطابهم بكل ما يتعلق بالتعددية وكل ما يخص حقوق الانسان نتيجة لميلهم السلطوي وشراهتهم غير المحدودة للسلطة. أكبر دليل على رفض الطبقات المتوسطة للاخوان أن مرشحهم محمد مرسي خسر في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية المدن الكبرى وأبرزها القاهرة والاسكندرية والمنصورة والزقازيق وطنطا. لولا شعور هذه الشرائح الواسعة من الشعب المصري بالخطر المباركي مع تقدم أحمد شفيق لخسر محمد مرسي والاخوان المسلمون. ما زالت المواجهة مفتوحة والخسارة قائمة خصوصاً إذا نجحت القوى المدنية في تنظيم نفسها وتقديم مرشح واحد مثل حمدين صباحي. مشكلة الثورة التي لم تصل الى أهدافها بعد أنها لم تنتج آلياتها، لكنها على الأقل كسرت حاجز الخوف. أيضاً لم تنتج الثورة تحالفاتها، ما زالت الانقسامات سيدة الموقف، لذلك شعار الثورة الأولى: عيش... حرية... عدالة اجتماعية ما زال بعيد التحقيق في دولة الاخوان المسلمين، التقهقر الاجتماعي زاد. الانكماش الاقتصادي توسّع وتعمق. التراجع المالي يتضخم يومياً. كان الاحتياط المالي 36 مليار دولار قبل عامين. حالياً وصل الى 15,5 مليار دولار فقط. لم تستطع حكومة الاخوان ولا رئيسها حل هذه المشكلة. ليس لدى الاخوان سياسة اقتصادية ولا خطة اقتصادية. لذلك الفقراء في دولة الاخوان يزدادون فقراً والأغنياء يزدادون غنى. الشعب المصري بحاجة إلى مشاريع وليس إلى الجوامع. الشعب المصري شعب متديّن بالفطرة، لكنه قطعاً لم يقم بالثورة طلباً لإقامة دولة إسلامية.
عودة مصر إلى صناعة القرار العربي مهم جداً، لكن هذه الصناعة لا تكون صحية ومنتجة لمصر وللعرب، إذا تمّت من باب ردّة الفعل، ولا من موقع العمل بواسطة تنظيم الاخوان الدولي. أن تتصالح مصر مع إيران مثلاً مهم حتى تكون مصر فاعلة وأن تكون إيران أكثر اعتدالاً. لكن ليس مقبولاً أن تصبح عودة العلاقات مع إيران وسيلة ضغط على العرب، تماماً كما فعل الرئيس الراحل حافظ الأسد. مهما أخطأ البعض باتجاه مصر، ونفذ سياسة معاقبة المصريين بدلاً من معاقبة المصريين الاخوان يجب ألا تستقوي قاهرة الاخوان بإيران على أي شقيق عربي. ايضاً يجب ألا يكون الطريق إلى القلب الأميركي عبر مغازلة إسرائيل كما فعل عصام العريان بكلامه عن اليهود المصريين.
يقال الكثير حول تجربة الاخوان في مصر وقياسها على تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا. يقال ان اخوان مصر يمرون حالياً بالمرحلة الاربكانية وما زال أمامهم الكثير للوصول إلى المرحلة الاردوغانية. يوجد فرق كبير بين الحالتين التركية والمصرية. الأربكانية لم تسرق ثورة مدنية، في حين أن الاخوان سرقوا ثورة 25 يناير. الفرق أيضاً ان المجتمع المدني في مصر ناشط وفاعل ومؤثر. الدليل ما يحصل اليوم في ميادين مصر. لا يمكن للمجتمع المصري ولأبناء ثورة 25 يناير انتظار سنوات لكي تنضج تجربة الاخوان عندهم، خصوصاً وأن الثورة مستمرة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.