8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الحل في ترحيل الأسد والإرهاب

التقط أحمد معاذ الخطيب كرة النار في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة. عامان من القتال ولم يسقط بشار الأسد، ولم تنته الثورة. سوريا احترقت ولم يتراجع الأسد، ولم يستسلم الثوار. سياسة الأرض المحروقة، أوصلت الجميع أمام أفق مسدود. قوى دولية وإقليمية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ساهمت وأجّجت النار لإحراق سوريا وتدميرها، خدمة لمصالحها وأهدافها المتعدّدة.
اقتنع السوريون بعد 23 شهراً من القتال أن الحل العسكري ممنوع. تبيّن للثوار، أن حلفاءهم مدّوهم بأسباب الحياة ليصمدوا وليس لينتصروا. ليقاوموا نار النظام الأسدي وليس ليطفئوا ناره ويطيحوا به. اخترع الحلفاء ألف سبب وسبب حتى لا يصل السلاح والمال الى الثوار.
أما الأسد فقد مدّه حلفاؤه بكل أسباب القوة لينتصر، وانتصروا معه. لكنه لم ينجح أكثر من البقاء فوق تلال من الجثث والدمار. اقتنع الروس قبل الإيرانيين أن انتصار الأسد مستحيل. الفرق بين الحليفين أن الاسد بالنسبة لموسكو ملف من ملفات عديدة، بينما بالنسبة للنظام الإيراني هو المربّع الأخير في المواجهة الكبرى. في الحروب الكبيرة لا يتحقق النصر بسلاح الطيران وحده فكيف في ثورة مثل الثورة السورية، حيث يتضاعف عدد الثوار يومياً.
اقتنعت موسكو أنه لم يعد من الممكن المحافظة على الأسد، فلتتم عملية جراحية للمحافظة على الدولة السورية. الجيش أولاً، علاقات موسكو مع الجيش السوري تاريخية ويمكن لها أن تستمر من دون الأسد. خلال العامين الماضيين طرحت كل الحلول. من الحل العسكري الى الليبي الى اليمني فإلى اللبناني، أي عقد مؤتمر طائف على حجم سوريا. لكن كل الحلول بقيت أمام حائط مسدود.
أحمد معاذ الخطيب وجد لديه الجرأة السياسية ليقول ما لم يجرؤ أحد من المعارضة على قوله. نعم للمفاوضات. يمكن إضافة هيثم المناع الى هذه الدائرة، خصوصاً أنه كان سباقاً. لكن أهمية أحمد معاذ الخطيب في موقعه كرئيس للائتلاف الوطني بكل تركيبته المعقّدة وعلاقاته الأكثر تعقيداً. استخدم الخطيب الأسلوب الروسي في عرضه وعماده الغموض البنّاء. لم يتكلم عن رحيل الأسد مباشرة حتى لا يستفز الروسي، لكن كل ما قاله جاء ليؤكد رحيله.
يعلم الخطيب أن موسكو ليست متعلقة ببقائه وانها ستفاوض عليه حتى تحصل على أكثر ما يمكنها تحصيله. أليست المفاوضات نوعاً من الحرب إنما بوسائل أخرى؟ أيضاً من فنّ التفاوض وضع شروط بنّاءة لا يمكن الالتفاف عليها، فكيف برفضها. شرط الخطيب إطلاق سراح 160 ألف معتقل، لا يمكن لاحد رفضه. حتى الأسد قبل به في مبادرته عندما جعله نقطة ثالثة أو رابعة بعد وقف إطلاق النار. الآن بدأت لعبة الشروط على قاعدة التعامل مع الكراسي الموسيقية، واحد يصعد، الثاني ينزل.
من المؤكد أن أحمد معاذ الخطيب لا يتحرك وحده ولا يلعب وحده. المفترض أن واشنطن ومعها دول عربية معيّنة، أوحت للخطيب ومن معه طرح هذا الحل. الدليل أن البراغماتية التي بلورها الخطيب في مبادرته، جاءت نتيجة طبيعية لمآلات التطورات الميدانية في ظل الحصار الدولي والاقليمي والعربي. من المهم القول، ان المعارضة السورية أثبتت أنها أكثر وعياً من النظام للمأساة من جهة ولكن ايضاً أمسكت بأسباب المأساة، فالمناطق المحررة من النظام الأسدي تحوّلت الى عبء على الثورة، فلا إدارة تدير شؤونها وتحل مشاكل الناس منها ولا إغاثة معيشية في ظل الحصار، ولا أمل باستنهاض حملة دولية لتمويل الاحتياجات اليومية للسكان. مؤتمر الكويت بالكاد جمع مليار ونصف مليار دولار، وهو مبلغ لا يكفي أسابيع لمساعدة النازحين فكيف بالصامدين والمقاتلين؟
نجح النظام الأسدي في التجارة التي برع دائماً بالمتاجرة بها، وهي الارهاب. لقد فتح الأسد الباب أمام المنظمات الإرهابية باسم مقاومة الاحتلال الأميركي في العراق وصدّرها إليه، ثم دفع الشعب السوري الى اليأس من الحراك والتظاهر السلميين، حتى تحوّل اللجوء الى السلاح خياراً وحيداً أمام الثوار. أما مؤيّدو وحلفاء الثورة، فإنهم حاصروا الثورة حتى تمكّنت النصرة وغيرها من القوى الظلامية من السيطرة على الأرض، وإشاعة الخوف خارج حدود سوريا. ثم وضع معادلة جديدة: إما أنا أو الارهاب. يعتقد الأسد أنه بهذا يستجلب واشنطن الى جانب بقائه. الحل واضح، وهو كما كرّرته واشنطن مراراً، في رحيله واستئصال الارهاب معاً.
اجتماع ميونيخ الرباعي الذي يضم بايدن ولافروف والإبراهيمي والخطيب إذا عقد سيؤشر حكماً الى مآلات المفاوضات وإمكانات الحل السياسي، الذي سواء كان رحيل بشار الأسد في بدايته أو في نهايته، فإن لا مستقبل له في سوريا الغد، وهو أمر بالتأكيد أفضل للسوريين وللعرب وللعالم.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00