نجح الاخوان المسلمون في سرقة ثورة 25 يناير في مصر، وفي تونس تحت اسم النهضة، وساهموا بقوة في إنتاج الإنكفاء العربي والدولي عن دعم الثورة في سوريا. رغم القلق من الاخوان وتاريخهم. تركت لهم الفرصة للخروج من السريّة إلى العلنية، والعمل من داخل مؤسسات الدولة من أجل بناء دول الربيع العربي، لكن جشع وشراهة الاخوان للسلطة دفعهم إلى التسلط والعمل على احتكارها، حتى لو كان ذلك على حساب كل الشباب الذي ثار بحثاً عن غدٍ مشرق عزيز.
مصر في أزمة قد تهدد مستقبلها بشكل خطير يؤثر حتى في بنيانها وحضورها. الرئيس محمد مرسي يصدر التشريعات وكأنها فرمانات، أو كأنه في دولة المرشد وليس في دولة مصر ومؤسساتها المزروعة تاريخياً.
مرسي ليس إلا واجهة سياسية لهيئة حزبية لا تؤمن إلا باحتكار السلطة.
محاولة مرسي ومَن خلفه في إلغاء الآخرين من القوى التي لها حضورها ودورها وتأثيرها في مصر ثورة 25 يناير، تكاد تضع مصر على حافة الانهيار وليس فقط الخطر.
الاخوان، الذين يريدون الآن رغم الأزمة الكبيرة التي تعيشها مصر احتكار البرلمان في انتخابات لن يصوت فيها سوى الاخوان. بعد ان صاغوا دستوراً لمصر على قياسهم غير المقبول إلا بالاكراه لأنه لا يلقى توافقاً شعبياً. لا يريد الاخوان سواء كانوا برئاسة مرسي أو الشاطر أو مجلس الارشاد العلني أو السري ان يشاركهم أحد في السلطة من باقي القوى خصوصاً المدنية منها. ثم بعد الانتخابات الناقصة والمنقوصة النتائج، سيتم تشكيل حكومة على قياس عبقرية رئيس الوزراء الحالي قنديل الذي أثبت منذ توليه رئاسة الحكومة انه قنديل بلا زيت، لذلك لا يمكنه اضاءة مديرية وتشغيلها فكيف بحكومة لكل مصر.
سرق الاخوان المسلمين للسلطة في مصر، ليس فقط لأنهم يريدونها ولانهم لم يشاركوا في صناعتها، وانما لانهم عند اللحظة الوطنية العظيمة عجزوا عن بناء شراكة وطنية تفتح أبواب مصر أمام إعادة البناء من القاعدة إلى القمة من التشكيلات السياسية إلى البنى الاقتصادية المتينة. هذه السرقة المكشوفة هي التي وضعت مصر الآن قبل الغد أمام حافة الهاوية على جميع الأصعدة.
الخطر الداهم ليس تفكك الدولة المصرية حتى لو كان انتشار العنف تحول إلى مرض قاتل رأس حربته ميليشيا الاخوان التي أثبتت فعاليتها في القمع وفي دفع قوى من الفلول ومشاركتها في تصعيد التعذيب والإهانة ضد شباب ثورة 25 يناير الذين ثاروا طلباً للكرامة وسيادة القانون. الخطر الداهم هو في انهيار الوضع الاقتصادي. الرئيس مرسي يقول ان المساجد والشواطئ والمطاعم مفتوحة، المهم أن تكون كلها مليئة بالمؤمنين من جهة والسياح من جهة أخرى.
الاقتصاد المصري يعرج منذ زمن طويل، الآن في زمن الاخوان أصبح شبه مقعد. الأرقام تتكلم، كان الاحتياط النقدي في الأيام الأخيرة من حكم حسني مبارك يبلغ 36 مليار دولار. في كانون الثاني من هذا العام بلغ 13,6 مليار دولار وهو أقل من المبلغ اللازم لتغطية واردات ثلاثة أشهر، يتراجع الجنيه يومياً. حالياً وصل سعره إلى 7,20 جنيهات للدولار الواحد. وسيتراجع إلى ثمانية جنيهات خلال الأشهر المقبلة. أما العجز فإنه سيبلغ نحو 11 في المئة من الناتج المحلي المجمل وإذا فشلت سياسة الإصلاح وهي كما يبدو ستفشل سيصل العجز إلى حوالى 12,3 في المئة، لانه من الصعب تصور تحمل مصر برنامج إصلاح متناغم ينسق مع اتفاق صندوق النقد لترتيب الوضع الاقتصادي. كل ذلك يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة أعباء الدعم خصوصاً على المحروقات والخبز ولا أحد يعرف كيف ستستطيع حكومة الاخوان مواجهة العجز الأخطر وهو ما قد ينتج ثورة خبز حقيقية في مصر. إن واردات القمح ومخزوناته تراجعت منذ بداية العام الحالي، وأن الحكومة تهيبت إلى درجة الخوف من الكشف عن حقيقة زيادة أسعار المازوت بنسبة 50 في المئة مما سينعكس حكماً وبشكل خطير على أجزاء حيوية من الاقتصاد مثل المخابز وشركات انتاج الكهرباء والصناعات الغذائية في وقت تقف مصر على أبواب انتخابات برلمانية ناقصة. الرئيس محمد مرسي وعبر تنظيم الاخوان يعمل على توفير مساعدات وقروض خارجية، لكن كل ذلك لن يُفلح في شراء الوقت.
في محاولة لتطويق خطر عودة العسكر إلى السلطة، لانهم أمام الأخطار الداهمة التي تعيش مصر على وقعها، يصبحون هم الحل، يقال إن العسكر هم الوجه الآخر للاخوان. والمقصود جمال عبد الناصر والضباط الأحرار. لا يمكن قياس أي مرحلة تاريخية حالية ومستقبلية على الماضي، لكل مرحلة ظروفها وشروطها.
جمال عبد الناصر كان ضابطاً في الجيش، لكنه عرف كيف يطور نفسه ومعه مصر، ضمن الظروف التاريخية المعروفة بنى عبد الناصر مصر الحديثة حيث كل أبناء مصر دخلوا الجامعات وشاركوا في البناء رغم الفقر والحصار.
لكن ذلك لا يعني أبداً تكرار تجربة عبد الناصر. العسكر ليسوا الحل، مثلما أن الاخوان لم يحملوا الحل.
مصر 25 يناير، تعيش مخاضات طويلة وصعبة ومرهقة، لكنها قادرة كما تؤكد التطورات على صناعة الحل خارج قيود الاخوان والعسكر معاً. الديموقراطية هي الحل.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.