قل لي أسماء المليون شهيد في الجزائر. كانت نكتة كل المواسم التي تروى حول تعجيز أي إنسان عربي في الرد على سؤال تثبيتاً للفساد، حتى جاء الرئيس بشار الأسد وشطبها بيده وبعقله وفرض سؤالاً يؤكد حجما من الإجرام الأسود لا يعادله أي إجرام. ماذا قالت ماري انطوانيت لتعدم بالمقصلة أكثر من دعوة الفرنسيين لأن يأكلوا البسكويت بدلاً من الخبز، وهي الجاهلة بأحوال الفرنسيين خارج قصر فرساي. وماذا فعل نيرون أكثر من إشعال النار في روما وحدها ليكتب قصيدته الواقعية جداً ويدخل التاريخ كواحد من أعتى المجانين إجراماً؟.
بشار الأسد تجاوز الجميع. سأل الصحافية التي قالت له: سقط ستون ألف قتيل من السوريين في المواجهات. عن أسماء هؤلاء الضحايا، ليتأكد إذا كانوا سوريين. الأسد غارق في روايته بأن الحرب الكونية اجتمعت عليه وضد نظامه الأسدي. إذن كل الذين يسقطون ليسوا سوريين وانما أجانب يستحقون القتل. لا يوجد غير علماء النفس لتفسير الحالة الأسدية التي دخلت التاريخ. ستمضي قرون حتى يأتي رئيس آخر يتجاوزه ويتفوق عليه كما فعل هو مع نيرون.
بعيداً عن هذه الصورة المبكية جداً فإن استمرار الأسد في هذا الصعود إلى الهاوية ما كان ليحصل لولا جملة وقائع وعوامل ذاتية وموضوعية.
*ان المعارضات السورية التي ولدت من فراغ التصحير السياسي الذي مارسه النظام الأسدي طوال أربعين عاماً، لم تستطع من التوحد أولاً ومن فرز زعامة سياسية قادرة على الجمع، هذا العجز لا يترجم كلياً الفقر في التكوينات والشخصيات السياسية السورية في الواقع سوريا قدمت في مرحلة ثورة 1952 وما بعدها قيادات وطنية رفيعة المستوى، لم يكن ذلك ولادة من الفراغ. كانت القيادات الوطنية قد ولدت ونشأت وتمت في أحضان العمل السري الثوري في السلطنة العثمانية مثل: الحركة العربية الفتاة، ومنظمة العهد والمنتدى الأدبي وغيرها.
*أيضاً وهو مهم جداً أن المعارضات السورية بقيت حالياً ممزقة لأن العرب فعلوا فعلها وما فعلوه بالمقاومة الفلسطينية، بدلاً من دفعها عن الوحدة والانصهار في منظمة واحدة وقيادة واحدة، عملوا على تشتيتها وتمزيقها لكي يكون لكل عربي في عرس فلسطين اصبع فكان أن تحول العرس إلى مآتم متداخلة وصولاً إلى قبول ياسر عرفات المحاصر في تونس بفضل إسرائيل وحافظ الأسد، باتفاق أوسلو والموت مسمّماً في فلسطين.
*ان الأسد قاتل وبقي فوق دمار سوريا، لأن حلنا لا يهمه السوريين ولا سوريا الدولة، مشكلاً من إيران وروسيا وحزب الله ونوري المالكي، يقف معه بكل قوته عسكرياً ومالياً، في حين أن حلفاء الثورة السورية من العرب والقوى الاقليمية والدولية، يساندون الثورة حتى لا تهزم. الانتصار ما زال ممنوعاً عليها وعلى الثوار. اخترع الغرب وخصوصاً واشنطن فزاعة النصرة حتى أصبح لها وجود فعلي. واشنطن أخذت بحساباتها مصلحة إسرائيل وموقفها. إسرائيل ما زالت مع الأسد الإبن والأب معاً. الأب سلّمها الجولان ليستولي على السلطة، ولاحق عرفات ليأخذ لبنان، والإبن حافَظَ على الودائع كما هي.
وإذا كانت إيران خامنئي تخوض في سوريا معركة المربع الأخير في استراتيجيتها، وروسيا بوتين تريد استرجاع شيء من هيبتها ووجودها الماضيين أثناء الاتحاد السوفياتي، ونوري المالكي ينفذ أوامر طهران من جهة ويلهي شيعة العراق في دوامة جديدة من الأخطار حتى يستمر في السلطة. فإن حزب الله يرتكب خطأ تاريخياً، يحشر فيه الشيعة في لبنان في اتون من الخلافات إن لم يكن من المواجهات المذهبية الخطيرة. أكثر من ذلك، ماذا سيفعل غداً للشيعة في القرى السورية التي انخرط معهم في معركة غير متوازنة، عندما تنتهي الحرب في سوريا؟ مهما كانت قناعة قيادة ايران والأسد بانتصار النظام الأسدي وبقاء الأسد الى الأبد، الا توجد نسبة تزيد على عشرة في المئة تقول بهزيمة الأسد. أو على الأقل قيام نظام جديد مختلف حكماً عن هذا النظام؟ لقد دخل سكان القرى الشيعية على الحدود مع البقاع في مواجهات دموية مع محيطهم، من سيحميهم في المستقبل من هذا المحيط الحاقد عليهم؟ هل سيتم استقبالهم في البقاع، وعلى أي أساس وكيف سيعيش شيعة بعلبك الهرمل مع جيرانهم في منطقة القصير هذا عدا التعايش مع النظام المقبل؟.
للأسف سيدفع الشيعة في البقاع الشمالي ضمن تورط حزب الله في معركة القصير ثمناً غالياً.
واشنطن أوباما، تبدو وكأنها اكتفت بدور إدارة الحرب الأهلية في سوريا. هذا الدور خطير جداً، لأن واشنطن قد لا تستطيع ضبط عدم انتشار النار من سوريا الى المنطقة حيث الهشيم المذهبي منتشر بقوة ومهيأ للاشتعال في كل لحظة. العالم لن يكون بخير، إذا اشتعلت المنطقة مذهبياً، توجد باكستان وأفغانستان والجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً وحتى تركيا وإيران، ستربح أميركا اسرائيل دائماً، لكنها ستخسر المنطقة كلها. هل يستحق الأسد كل هذه الخسائر الدولية والعربية. الشرق الأوسط هو خط التماس في العالم، إذا سقط اشتعل العالم.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.