تتهاوى يوما بعد يوم سياسة النأي بالنفس عن سوريا. كل يوم ثورة وحرب اسدية إضافي، هو خطوة الى الامام نحو الدخول في دائرة النار السورية والعربية والدولية. سياسة النأي كان يمكن ان تنجح وتجنّب لبنان خطر إحراق يديه وربما اكثر لو انتهت الحالة السورية بسرعة، لكن لا يمكن القول لأحد ممنوع التدخل وكأن الامر مماثل لقرار منع التدخين في الأمكنة العامة. لا يمكن الوقوف على الحياد في سوريا. الدماء التي تسيل يوميا والدمار الهائل الذي يقع، يفرض الانحياز، إما الوقوف مع الضمير الإنساني والالتزام بقضايا الحرية وإسقاط الديكتاتورية مهما كانت دعاويها القومية في المقاومة والممانعة، او الانخراط في معركة حساباتها أبعد واكثر تعقيدا من فلسطين وتحريرها، وهي تضع اللاعبين الصغار مثل حزب الله في موقع صعب مستقبليا، لانه عندما تصاغ الحلول وحتى التسويات يكون هو جزء من مدفوعاتها لانه ليس من سيفاوض. ايران هي الوكيل الشرعي في هذه المسألة.
حزب الله مكون أساسي وفاعل ومقرر في الحكومة. سياسة النأي بالنفس تلزمه الالتزام بها. لا يمكن للحزب ان يحمل في وقت واحد النار والماء معا. الحزب منخرط بكل قوته في سوريا الى جانب النظام الأسدي، مهما كانت حجته، فان لديه مقاتلين على الارض حتى لو في قرى الشريط الذي حوّله الى شريط حدودي شمالي للبنان بحجة حماية الشيعة في بعض القرى وكأن مهمة الحزب حماية الشيعة في العالم، كل هذا مع فارق جوهري ان اسرائيل عدو دائم، في حين ان السوريين أشقاء وسوريا شقيقة الى الابد وليس بشار الاسد ومن معه هم الأشقاء لا اليوم ولا غدا. مهما طالت الثورة ومهما كانت نتائجها تبقى سوريا ويزول النظام لان هذه هي طبيعة الدول والامم. اما القول إن المستقبل منخرط في الحرب ضد الاسد، فان المستقبل ليس في الحكومة، ولو كان جزءا منها، وسياستها تقوم على النأي بالنفس فإن واجبه كان الخروج من الحكومة. لكل خيار ثمنه وضريبته.
لا يكفي استجداء الأخوة والحلم العربي خصوصا الخليجي منه حتى لا يدفع اللبنانيون ثمن انخراط حزب الله الى جانب الاسد ونظامه. بصراحة وموضوعية يجب وضع النقاط على الحروف حتى لو كانت هذه الصراحة مخالفة لكل ما عشنا من اجله، ان الصراع في سوريا يتحول يوما بعد يوم الى مواجهة سنية - شيعية وهو يتمدد الى الدوائر الاكبر. كان بإمكان حزب الله ان يساهم انطلاقا من التزامه التحريري للأراضي المحتلة وخصوصا فلسطين في محاصرة النار المذهبية، لكنه بدلاً من ذلك رمى الزيت على النار داخلياً وسورياً، الاحتقانات المتراكمة منذ سنوات فتحت الأبواب أمام الشيخ أحمد الأسير وخطابه، والأقسى ان العديد يتأثرون بالأسير وحتى بأسوأ وأخطر منه. منذ إقالة الحريري في عملية انقلابية فاجأتها الثورة السورية قلنا ان ليس امام الحزب اذا كان صادقاً في رفضه ومحاربته للخطاب المذهبي سوى التفاهم سنيّاً مع الحريري وتيار المستقبل. حتى اليوم ما زال يحاربه، ويعمل مع الجنرال عون على ذلك.
لا شك في ان الاسد نجح في اندماجه الى درجة الذوبان مع ايران وطموحاتها التي تتجاوز الدائرة الصغيرة في المنطقة الى تحويل حربه ضد الشعب السوري الى مواجهة بالواسطة بين الغالبية المطلقة من العرب (يجب عدم إغفال العامل المذهبي أيضاً) وإيران. المواجهة في سوريا بين معظم العرب خصوصاً دول الخليج معركة كسر عضم. لبنان يتحول الى جزء من هذه المعركة، واذا نجح العصب المذهبي في تحييد جزء أساسي من اللبنانيين، فإنه لن يعفي بوضوح اللبنانيين الشيعة. لقد دفع الكثيرون منهم ثمن استقوائهم بـحزب الله واليوم يبدو وكأنهم رغم الظلم الكبير اللاحق بهم سيدفعون أثماناً باهظة من لقمة عيشهم ليزدادوا فقراً ويكبر مخزون الحقد لديهم فيسهل على الحزب وإيراد استثماره في خطط لا علاقة لها بلقمة العيش، ذلك ان ايران قبل أزمتها الاقتصادية الحالية لم تقدم فرصة عمل واحدة للبناني واحد منذ قيام الثورة.
للأسف لن ينتج كل هذا تحولا انقلابيا في مواقف حزب الله ولا المنخرطين مع الشعب السوري وحقه بالحياة الكريمة والكرامة والحرية، لذلك لا يبقى سوى ان تتوحد الجهود حتى لا يدفع احد من اللبنانيين ثمن مواقف خاطئة مهما كانت دوافعها، لان لبنان سيبقى موطنا للجميع وضعف جزء منه إضعاف للآخرين، تماما مثلما يضعف أي عضو في الجسم فان كل الجسم يقع مريضا وضعيفا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.