اليوم، تبدأ الثورة السورية عامها الثالث، وسط بحر من الدماء والدموع والدمار، ولكن أيضاً من الصمود النادر، رغم كل أنواع الحصار العلني والسري المفروضة على الثوار، بحجة انتشار النصرة وتعددها، علماً أنه قبل أن تتعسكر الثورة لم تكن النصرة موجودة والدعم للمنتفضين كان غائباً.
ولا شك أنه رغم محاولة الابتعاد عن الانزلاق الى منطق المؤامرة، فإنه لا يمكن استبعاد رفض إسرائيل حتى الآن البحث في التخلي عن النظام الأسدي الذي منحها وضمن لها الهدوء والاستقرار في الجولان منذ حرب ، وهي لن تنخرط ومعها الولايات المتحدة الأميركية في التغيير قبل أن تضمن الحالة نفسها من البديل القادم، علماً أنها حتى الآن حققت وتحقق من تدمير سوريا مكاسب استراتيجية واضحة، أقلها خروج سوريا لسنوات طويلة من دائرة القرار الإقليمي كما حصل مع العراق.
وبكثير من الواقعية السياسية فإنه لأسباب عدة لا يمكن إسقاط المسؤولية السياسية لمختلف القوى والأحزاب السورية المنخرطة في الثورة، إذ إنها لم تحقق أبسط قواعد التفاهم والوحدة والتنظيم رغم كل الدعوات الملحة من الداخل والخارج. ولا شك أن المنافسة والخصومات الشخصية في غالبيتها الى جانب عدم تبلور قيادة قادرة في الحد الأدنى من تمثيل الثورة والثوار، الى جانب ذلك تعدد الانتماءات والالتزامات الخارجية كلها مجتمعة ومتفرقة، زادت من الفرقة والتشتت وارتفاع منسوب الخسائر، ومن عناد بشار الأسد بأنه قادر على البقاء رئيساً الى الأبد رغم أنف الجزء الأكبر من الشعب السوري والعرب وتركيا وبعض القوى الغربية.
خلال عامين تحولت انتفاضة الشعب السوري من أجل حريته وكرامته الى حرب إقليمية وصراع دولي يُذكر ببعض وقائع الحرب الباردة. الجبهة الأسدية، وتضم الجمهورية الإسلامية في إيران وروسيا وحزب الله وأيضاً الصين وإن كانت ليست لاعباً إلا في الصف الخلفي. لا شك أن هذه الجبهة هي الأشرس لأنها تخوض الحرب السورية وكأنها حرب المربع الأخير رغم اختلاف الدوافع والأسباب في ما بينها، لذلك لا تبخل بالمال والسلاح والخبراء وحتى المقاتلين. بينما الدول والقوى التي تؤيد الثورة، لا تشكل جبهة متماسكة، يتبارى الجميع في الدعم الصوتي وأحياناً إذا قبل العرّاب الأميركي، يتم تقديم الدعم بالقطارة.
البحث عن حل سياسي، يربك الجميع. كل الأطراف تريد وتعمل للخروج رابحة، في حين أنه في الحل السياسي لا يوجد رابح ولا خاسر مئة في المئة. القاعدة الأولى في أي من المفاوضات التي تنتهي بالنجاح، أن يقدم كل طرف تنازلاً يفتح الطريق نحو الاتفاق النهائي. حتى الآن لا يبدو الوضع هكذا، لذلك من طبيعة هذه الحالة أن يقع التصعيد العسكري، حتى يتم لَيْ أيدي المتصلبين لإجبارهم على قبول الأمر الواقع.
طرف واحد هو الولايات المتحدة الأميركية، يلعب بصبر طويل لأن الجميع يدفع من أرواحه أو جيوبه، إلا هي تلعب من كيس غيرها وتجني من حصصهم. هذا الخبث الأوبامي غير المعهود في الإدارات الأميركية هو الذي يجعل دوره معقداً. يرفض إرسال الأسلحة الى الثورة في سوريا، وفي فترة معينة أجبر الآخرين على إقفال المخازن والطرق. حالياً يقول للروس أقبل بمشاركة الأسد في المفاوضات على قاعدة اتفاق جنيف فيرضي الروس، ثم يغمز البريطانيين والفرنسيين لتسليح الثوار السوريين ولو بحساب حتى يحققوا بعض الانتصارات والتقدم فتعتدل موازين القوى على الأرض، ويسهل عندئذٍ ذهابهم الى المفاوضات وكأنهم أجبروا مع حلفائهم على التنازل للأسد الذي سيكون البحث بمستقبله أساسياً سواء أكمل ولايته في أيار أو لم يكملها.
تبقى مشكلة في كل ذلك، وهي إيران ومعها حزب الله لأنهما يعتبران سقوط الأسد وخروجه من السلطة اليوم أو في العام المقبل يشكل هزيمة كاملة لهما. استناداً الى مصدر مطلع فإن الاخضر الإبراهيمي الذي زار طهران يوم الأحد الماضي بعيداً عن الإعلام، والذي التقى مسؤولين إيرانيين بينهم علي صالحي وزير الخارجية، وبحسب المصدر نفسه فإن الإبراهيمي الذي يعتقد بعمق أنه لا يجب ولا يمكن ترك إيران خارج الحل لأنها قادرة على إطلاق النار على أي تسوية تستبعدها، لكن المفاجأة كانت أنه لا يوجد اتفاق في إيران (ورد مرات عديدة في هذه الزاوية هذه الحالة الإيرانية الاستثنائية) بين قوى السلطة ومراكزها حول الموقف من التسوية أو عدمها في سوريا، وأنه يوجد صقور لا يقبلون بأي تسوية ووجوب بقاء الأسد الى الأبد، وعلى رأس هؤلاء قيادات مهمة من الحرس الثوري، وإن السيد حسن نصر الله المسموع الكلمة والرأي عند المرشد آية الله علي خامنئي هو صقر الصقور. أما المرشد نفسه فإنه يتابع الوضع خصوصاً أن أمامه استحقاق الانتخابات الرئاسية الحساس جداً. وفي هذا الجانب، فإن حسم مسار هذه الانتخابات سيتقرر بعد نهاية عطلة عيد النوروز في الرابع من الشهر المقبل.
في لقاء للمرشح المحتمل للرئاسة في إيران الرئيس السابق محمد خاتمي مع منظمات طلابية قال: إذا فصلنا الإسلام عن الحرية فإن كلاهما يخسران. الشعب السوري لا يريد أكثر من الحرية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.