جولة أوباما-2 في إسرائيل والضفّة الغربية والاردن، ليست سياحية، ولا هي جولة إنجازات. غياب الطموحات الاستراتيجية عن نهج أوباما، تؤكد ذلك وتجعل من الجولة عملية مبرمجة للحصول على براءة ذمّة لتوظيفها في الداخل الأميركي. لذلك شدّد الجميع في الإدارة الأميركية على خفض التوقعات. لا يملك أوباما-2 حلاً سحرياً ولا حتى مشروع سلام لطرحه على إسرائيل والفلسطينيين أولاً، والآخرين فيما بعد.
لا يرغب اوباما-2 التدخّل في الحروب، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. يكفي الولايات المتحدة الأميركية الحروب التي استنزفت مواردها ولم تحقق فيها انتصارات حاسمة تمكنها من فرض إرادتها السياسية. العراق في الذكرى العاشرة للغزو الأميركي تجسيد دائم لهذه العلاقة بين الغازي والمَغْزو. افغانستان أيضاً هي الحاضر الكبير والعنوان الأكبر لكل السياسة الأميركية الخاسرة. ما يساعد أوباما-2 وإدارته على تنفيذ سياسة ربح الوقت وانتظار مَن سينتصر ليأتي إليه، انّ الاكتشافات النفطية المستندة إلى تقنيات جديدة، تمنح الولايات المتحدة الأميركية الانعتاق من قيود الاستتباع للنفط الشرق أوسطي. منطقة الشرق الأوسط ستبقى مهمّة استراتيجياً، لكن دون أن تكون حاجة تستحق أو تتطلب الحروب للمحافظة عليها.
جاء أوباما أولاً إلى إسرائيل، بعد الصفعة التي وجّهها إلى نتنياهو حول إيران ومن ثم في الانتخابات، ومعه سحر الإسرائيليين بكلمات الحب. المهم أنّ الصفعة أعادت نتنياهو إلى حجمه الطبيعي. إصرار الإدارة الأوبامية على أنّ الحرب ضدّ إيران تكون أميركية أولاّ أو لا تكون، وأنه لا يحق لإسرائيل شنّ حرب آحادية أو توريطية أكد بشكل واضح جداً متى تزايد التبعية الأمنية الإسرائيلية للولايات المتحدة الأميركية. أوباما، كما سرّب الإعلام الإسرائيلي قال لنتنياهو انه ما زال يوجد متسع من الوقت لإقناع النظام الإيراني بوقف برنامجه لإنتاج القنبلة النووية. جاء موقف اوباما هذا رغم تشديد نتنياهو على أنّ إيران لا تتأثّر بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
أيضاً وهو مهم جداً، أبلغ اوباما نتنياهو انه لا ينوي دمج إسرائيل في أي خطة تدخّل قد تحدث مستقبلاً في سوريا في حال فقدان بشار الأسد سيطرته على الاسلحة الكيمياوية والبيولوجية. الموقفان من إيران وسوريا، فرضا على أوباما تجديد ما هو قديم أي وقوف بلاده إلى جانب أمن إسرائيل. اتهام حزب الله بالإرهاب جزء من رسالة التطمين الأميركية. رغم خطورة هذا الاتهام، فإنّه يبقى شيكاً بلا رصيد. خصوصاً إذا لم يستتبعه خطوات تنفيذية، وهي لن تكون، لأنّ لا اوباما ولا اوروبا بحاجة إلى عدو خارجي إضافي.
في الضفة الغربية وقبلها في إسرائيل، وبعيداً عن المواقف العاطفية ذات المنسوب المرتفع من المغالاة، فإنّ اوباما لم يغيّر موقفه بشأن الحل النهائي، الذي يقوم على:
[ انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967 مع تبادل لأراض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
[ ان القدس تبقى عاصمة لدولتين.
أمّا اللقاء مع الملك عبدالله الثاني في عمان، فهو لتأكيد ما هو قائم أي المحافظة على الأردن في ظل الكلام المتزايد عن الأخطار المحيطة به، سواء بالتحوّل إلى بديل للفلسطينيين أو بسبب سوريا والعراق.
طبعاً رغم كل هذه الصورة المريحة لجولة اوباما، فلا شك أنّه جامل الإسرائيليين وبالغ في ذلك كثيراً. المشكلة ليست محصورة بأوباما أو بغيره في الإدارات الأميركية. المشكلة أولاً وأخيراً عربية مئة بالمئة. العرب لم يعرفوا كيف يتحالفون ولا كيف يعادون، ولم يحسنوا الحرب ولم يعرفوا إدارة العملية السلمية. لو حارب العرب إسرائيل وقاوموا الإرادة الغربية وتحديداً الأميركية بالقوّة والشراسة التي يتقاتلون بها فيما بينهم، لكانوا حققوا تحولات استراتيجية.
سوريا تبقى المثال الحي وقبلها العراق لهذا الوضع. لو قاتل النظام الأسدي إسرائيل بهذه القوّة وهذه الوحشية غير المسبوقة كما قاتل الشعب السوري لكانت الولايات المتحدة الأميركية قد تدخّلت بقوّة وأشرفت على تنفيذ خطة سلام بحزم. وكانت إسرائيل قدّمت التنازلات وانسحبت من الجولان وقَبِلت بقيام دولة فلسطينية.
الولايات المتحدة الأميركية تتحرّك على قاعدة أنّ كل الغيوم العربية ستمطر عندها والحصيلة ستدخل خزائنها لذلك تستطيع الانتظار حتى تتعامل معه. أما إسرائيل فإنّها أصبحت لا ترغب بأي حل سياسي، لأنها تملك ما لا يمكن لها الحصول عليه حتى بالمفاوضات.
أمام الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل عقد كامل وربما أكثر من الضعف وحتى الغياب العربي عن صياغة أي قرار حتى ولو كان يتعلق بالأرض والأموال.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.