8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طهران: هناك فرصة للتفاوض في سوريا

غياب الأخضر الابراهيمي عن الأنظار والإعلام، لا يعني أنّه خرج من اللعبة. اللقاء الأخير بينه وبين الرئيس بشار الأسد أحبطه لكنه لم يوقعه في اليأس، لأنّه يعرف جيداً أنّ الأسد لم يعد يملك قراره. أصبح لديه شريكان هما الإيراني والروسي، وكلاهما متواجد بقوّة على الأرض. الخبراء موجودون بقوّة، سكّة السلاح الروسي والإيراني مفتوحة على مصراعيها. إيران تتفوّق على روسيا بالدعم المالي. لذلك من الطبيعي جداً أن لا يُقال فقط ماذا يريد الأسد وإنّما أيضاً ماذا تريد طهران وماذا ستفعل موسكو؟
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حوّل اتفاق جنيف إلى خط تماس حقيقي مع الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. كل حركة يقوم بها معسكر أصدقاء سوريا الجالسين في آرائكهم الوثيرة يحوّلها إلى قرار ضدّ اتفاق جنيف، وبالتالي يقرع الجرس بارتكاب فاول سياسي يعرّض السلام للخطر.
أمّا ما تقوم به موسكو من تقديمات لا تتوقف من السلاح فكلها عقود قديمة يجب تنفيذها. قيصر روسيا بوتين جعل من دمشق خط دفاع أوّل عن مشروعه بعودة روسيا قويّة إلى صناعة القرار الدولي. وواشنطن ترى أنّها تستنزف موسكو بوتين من كيسها. إذاً، فلا داعي للعجلة.
أمّا طهران التي تخوض في سوريا أم المعارك على الصعيدين الداخلي والخارجي معاً، فإنّها تبدو وكأنّها بدأت تشعر بالإحراج وحتى التوتر من الخسارة التي لا شك ستكون فادحة في جميع الحسابات والحالات. ربما الانتصار الوحيد الذي حقّقه المرشد آية الله الخامنئي يكمن في إطالة معركة بقاء الأسد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 14 حزيران المقبل. المرشد يعرف جيداً أنّ لسقوط الأسد قبل هذا التاريخ تأثيراً عميقاً في الرأي العام الإيراني ومزاجه السياسي الذي يغلي أساساً على نار الأزمة الاقتصادية.
طهران كما يبدو أصبحت مقتنعة بأنّ في سوريا فرصة للتفاوض وليس للحوار كما كان الوضع قبل أشهر. الأسد أضاع الفرصة كما سبق له أن أضاع فرصاً أخرى كثيرة لأنّ قراره يأتي دائماً متأخراً عن الواقع، لذلك فإنّ بعض القوى في إيران ترى أنّ عناد الأسد وحتى غباءه أوصل الوضع إلى ما هو عليه.
أمام هذا كله، ما هو الحل؟
التفاوض يكون دائماً بين أطراف متواجهة على الأرض، وفي هذه الحالة فإنّ التفاوض الأساسي والحاسم يكون بين الشيطان الأكبر أي الولايات المتحدة الأميركية، ومحور الشر أي إيران. والوقائع تؤشّر إلى أنّ المفاوضات بينهما تحت الطاولة أهم بكثير من التصاريح المتشدّدة العلنية. على كل حال، المرشد ردّ على تحيّة باراك أوباما من إسرائيل حول تغييب الحرب والاستعداد للتفاوض بقوله إنّ التفاوض ممكن ولكن الثقة غير موجودة، علماً أنّ الثقة تُبنى لبنة لبنة وخطوة خطوة.
طهران أيضاً تبدو وكأنّها بدأت تقتنع، حتى المتشددين فيها، أنّ المفاوضات ستنتج نظاماً جديداً في سوريا، وأنّ بقاء الأسد سيكون حتى نهاية هذا العام، وذلك لحفظ ماء الوجه، وهو يبقى في السلطة ولا يحكم لأنّ صلاحيته كلها ستنتقل إلى الحكومة المشكّلة بالتوافق. بهذا تتقاطع طهران حول الحل مع موسكو.
هذه القناعة التي توصل إليها حتى المتشدّدون في طهران ما كانت لتحصل لولا التأكد من أنّ الوضع ليس كما يصوّره الأسد يومياً لأنّه لو كان الأمر محصوراً بالإرهابيين فلماذا لم ينتصر الأسد حتى الآن رغم كل إمكاناته العسكرية من طيران وصواريخ ومدفعية؟ إذاً، الأمر مختلف لأنّه يوجد عشرات الآلاف من السوريين الذين يقاتلون ضدّه من أجل رحيله. والخلاصة أنّ الأسد لم ينتصر والثوار لم يخسروا، يبقى السؤال كيف سيرحل الأسد؟
الذين يعرفون الأسد عن كثب يؤكدون أنّه فور شعوره بتحوّل انقلابي في جبهة حلفائه فإنّه سيرحل لحماية عائلته والدائرة الصغيرة المحيطة به، ولا شك في أنّ الأسد فهم معنى عقد مؤتمر في القاهرة لعشرات من الشخصيات العلوية التي لها حضورها ونفوذها في الطائفة. هذا المؤتمر يشكّل بداية تحوّل في الطائفة العلوية التي لم تربح من النظام الأسدي وهي تخسر الآن وتدفع الثمن من دماء أبنائها الذين سقط منهم أكثر من 15 ألف قتيل حتى الآن.
أخيراً فإنّ طهران التي قدّمت للأسد مليارات الدولارات بالتعاون مع العراق تشعر بأنّها وصلت إلى طريق مسدود. انهيار الليرة السورية بدأ بقوّة. كان الدولار قبل عامين يساوي 47 ليرة سورية، أما اليوم فقد بلغ 127 ليرة سورية والآتي أعظم، لكل شيء حدود، حتى المال ولو كان من آبار النفط ينضب.
المفاوضات يمكن الحصول منها على مكاسب لم تعد الحرب تضمنها. لذلك فإنّ الأشهر القليلة المقبلة ستكون غنية بالتحوّلات وأيضاً بمزيد من تضحيات الشعب السوري. المأساة أنّه من أجل بقاء الأسد رمزاً للمقاومة والممانعة جرت التضحية بسوريا.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00