الربيع العربي، كان وما زال حاجة وضرورة للشعوب العربية. المفاجأة كانت كبيرة منذ اللحظة الأولى لانطلاق إعصار الربيع في تونس. الشعوب العربية لم تعرف الثورة ضد الأنظمة السياسية القائمة، لذلك كانت وما زالت حتى الآن تجهل مفاعيلها وتردداتها وما يشوبها من صعود وهبوط، ومن مدّ وجزر. اعتادت هذه الشعوب على الانقلابات العسكرية. دائماً تحول الضباط الصاعدين إلى زعماء وقادة يريحون الجماهير من التفكير بغدهم، ثم ينزعون منهم حق السؤال بعد وأد حرياتهم على جميع المستويات.
المفاجآت لا تنتهي، خصوصاً بعد أن تحولت الانتفاضة في سوريا طلباً للكرامة والحرية إلى ثورة مدنية ومن ثم عسكرية استثمرها النظام الأسدي لحرق الأخضر واليابس في سوريا التي أورثه إياها والده حافظ الأسد، الذي كان قد استولى على السلطة تحت بند الحركة التصحيحية وكانت النتيجة بناء نظام متكامل ومتماسك لخدمة عائلة واحدة تلتف حولها مجموعة من العائلات وأصحاب المصالح ومن اختارهم النظام للحصول على فتات من الاقتصاد والمال.
طول المعركة في سوريا، اثار ويثير المخاوف والقلق، خصوصاً وأن الأسديين من سوريين وعرب وأجانب، يشددون ليلاً ونهاراً على انهم يحاربون مخططاً أميركياً عربياً لضرب سوريا الممانعة والمقاومة بقيادة الرئيس بشار الأسد. تحويل ثورة السوريين طلباً للحرية والكرامة إلى حرب كونية صغيرة، وخلطها بمفاعيل الانقسامات المذهبية فالصدامات المتنقلة، أيقظ بقوة الطروحات القديمة بإعادة تقسيم العالم العربي إلى دويلات مذهبية متصارعة وضعيفة لا تملك قرارها بحيث تصبح إسرائيل الدولة الدينية القوية المهيمنة على المنطقة.
وما زاد الطين بلة، أن التدخل الإيراني في سوريا على جميع المستويات العسكرية والمالية والمذهبية علناً بعد أن كان النشاط الإيراني نفسه من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق ولبنان مدروساً ومستتراً، أضاف إلى ملح مشاريع التقسيم السايكس بيكو بهار المشاريع المذهبية المتعددة.
التطوّرات تغذي بقوة طروحات التقسيم إلى درجة أن البعض من الباحثين يرون أنه سيبدأ من العراق قبل سوريا. ذلك أن سقوط صدام حسين وإمساك الشيعة بالنظام، أيقظ كل شياطين التقسيم والحروب المذهبية الكامنة في العراق منذ أكثر من ألف عام، إلى جانب ان سقوط صدام أعطى زخماً لكل الحركات الإسلامية.
لا شك في أن الوضع العراقي ليس سليماً لا بل يمكن القول إلى حد ما إنه خطير. يكفي أنه كلما وقع خلاف سياسي مهما كانت طبيعته يدفع العراقيون العاديون سنّة وشيعة الثمن في تفجيرات لا تنتهي من الانتحاريين والسيارات المفخخة التي أتقن نظام بشار الأسد تصديرها إلى العراق.
المشكلة اليوم في العراق، أن وجود نوري المالكي رئيس الوزراء أصبح ضمانة ورحيله مشكلة متفجرة. أيضاً إن المالكي أثبت وهو يمسك بمفاصل السلطة بعد إطاحته بخصمه أياد علاوي بحجة أنه شيعي صعد إلى السلطة بالمصعد السني أنه ذكي لأنه عرف كيف يصبح مركز استقطاب في الدولة العراقية داخلياً وأيضاً خارجياً في نجاحه بالإمساك بـ عصا الخصمين المتحاربين الأميركي والإيراني في الوسط بحيث تحول إلى حاجة لكل منهما، لكن أيضاً فإن المالكي جمع الضدين في شخصه ذلك إلى جانب ذكائه فانه يثبت نوعاً من الحمق السياسي لأنه خاصم الجميع من أطراف شيعية إلى القوى السنية إلى الكردية. يبقى ان سقوط المالكي اليوم يشكل خطأ سياسياً لأنه سيسقط سنياً، كما كان الخطأ فادحاً في إسقاط الرئيس سعد الحريري على يد حزب الله الشيعي.
عودة إلى مشاريع التقسيم. العراق حالياً ثلاثة أقسام الشيعي والسني والكردي. الأخطر أن يزداد الانقسام ويصبح انقسامات شيعية شيعية وسنية سنية وكردية كردية (خصوصاً بعد غياب الرئيس جلال الطالباني) لذلك فإن محاربة التقسيم هذه تقوم في العراق وامتداداً إلى باقي دول المنطقة على قاعدة وحدة الكلمة وليس إلى سيادة وهيمنة الكلمة الواحدة، لأن التعددية ضرورية، أما الهيمنة فمرفوضة.
تقسيم المنطقة من جديد صعب جداً، لأن الشرق الأوسط وتحديداً الدائرة الممتدة من إيران إلى سوريا، هي دائرة مركزية في تشكل العالم. أي تقسيم يبدأ من العراق أو سوريا، هو بداية لانهيار أحجار الدومينو من أفغانستان إلى تركيا مروراً بإيران. لكل دول أمراضها السرطانية الكامنة من قومية ومذهبية وعرقية. وإذا ما حصل ذلك وسقطت تركيا وإيران وباكستان، لا شيء مستحيلاً ولا أحد فوق سكين التقسيم من الهند وروسيا الى إيران وتركيا.
قد يرى البعض في توسيع دائرة التقسيم مبالغة، لكن الواقعية السياسية تفرض هذا النهج في الطرح. لا توجد حدود من كرتون وأخرى من حديد. الدليل الكبير ماثل في انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه. لذلك لا الاتحاد الأوروبي ولا روسيا ولا حتى الصين مستعدة للتعرض للأخطار الكامنة مثل القنابل الموقوتة.
يبقى أن اللبننة تتقدم على كل ما سواها في المنطقة، مزيد من التقسيمات والانغلاق بين الطوائف والمذاهب والعرقيات والقوميات إذا وجدت. كيفية إدارة اللبننة العلنية أو الكامنة مهم جداً. يمكن لكل القوى الاستفادة من التجربة اللبنانية خصوصاً التي وجدت في السلام الأهلي البارد إيجابية يجب المحافظة عليها وتطويرها، الى أن تنتهي هذه المرحلة الفريدة من نوعها ويقدم نظام عربي جديد مختلف في الشكل والمضمون عن النظام الحالي.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.