ما العمل حتى لا تبقى الثورة في سوريا عرجاء بسبب الانقسامات والصراعات الداخلية بين مختلف قواها خصوصاً بعد تطور النصرة وتحولها إلى فصيل يعمل لإلغاء الجميع حاضراً وسوريا مستقبلاً بعد إعلان الاندماج مع القاعدة والولاء للظواهري؟.
عملية تحقيق الحد الأدنى من الاتفاق بين التيارين الليبرالي والإسلامي، مستمرة في عواصم القرار. المهمة ليست بسيطة، وهي أكثر تعقيداً من الأسباب والشروط التي خلقت الفرقة بين التجمعات والهيئات السورية المعارضة خصوصاً أن طبيعة مصالح الدول المعنية، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ضخمة، والتنازل عن بعضها مكلف جداً. في جميع الأحوال الاتفاقات لن تكون اليوم ولا حتى غداً، لأن التداخل كبير جداً بين الداخل والخارج، والأهم أن الجميع يعمل أو ينتظر التحولات التي سترسم مسارات جديدة في عمق صياغة مستقبل الثورة وسوريا.
لا شك في أن الخوف الحقيقي الآن والذي يكبر يوماً بعد يوم هو عرقنة سوريا، والواقع أن هذه العرقنة ستكون أكثر تعقيداً لأن الأمر لا يقتصر على النصرة وإنما أيضاً على تشكل مقومات أساسية لحروب طائفية ومذهبية يتم حالياً زرعها عميقاً في الذاكرة الشعبية لكل مكونات المجتمع السوري من طائفية ومذهبية وعرقية. ولا شك في أن مشاركة حزب الله مباشرة في القتال الجاري داخل الأراضي السورية تحت شعارات وأعذار لا علاقة لها ماضياً وحاضراً بما قام من أجله وهو تحرير الأرض اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، تساهم بقوة في الحفر عميقاً داخل عقول وقلوب الطائفة الأولى في سوريا وهي الطائفة السنّية. كل الأسباب المختلطة تنذر بالأحقاد لتفجير براكين صراعات دامية أو على الأقل من الانفصال على مختلف المستويات، وما يعزز ذلك أن هذه المشاركة تستند إلى انخراط إيراني بالمال والسلاح والخبراء على أعلى المستويات والرتب بحجة الدفاع عن محور الممانعة والمقاومة، علماً أنه في صلب هكذا انخراط إيراني يكمن الدفاع عن مصالح استراتيجية إيرانية بحتة حتى ولو كانت مغلفة بخطاب ايديولوجي، كانت مهمته الأولى الدفاع عن وجود سوريا قوية وليس بقاء الأسد في سوريا مدمرة فقدت موقعها وقرارها.
بعد عامين على القتال، ومعارك من الكرّ والفرّ، بين نظام أسدي يملك سلاح الجو والصواريخ والدبابات ولا يتردد لحظة في استخدامها ضد المدنيين، وثوار يقاتلون بأخف أنواع الأسلحة وأصلب الإرادات وتجاوز حقيقي للخوف، أقام نوعاً من توازن في موازين القوى، انتج بوضوح أرضاً محروقة وخطوط تماس على مثال الشياح وعين الرمانة لكن على خريطة سوريا كلها. ويبدو جلياً أن إرادات كبرى تعمل حتى الآن لتثبيت هذا الوضع إلى حين تبلور صيغة كاملة لتوزيع الحصص من المصالح على مختلف القوى الخارجية أولاً وقبل الآخرين.
الولايات المتحدة الأميركية تلعب وهي مطمئنة في عهد الرئيس باراك أوباما، إنها لأول مرة في تاريخها تخوض حرباً من دون كلفة ولا أي خسارة في وقت ضمنت فيها حصة أساسية من الأرباح المباشرة وغير المباشرة، لعل أبرزها وأهمها استنزاف إيران حاضراً في المال والسلاح ومستقبلاً في تعميق شرخ من الكراهية المذهبية والقومية مع العرب والسنّة. إلى جانب ذلك إلغاء سوريا من خريطة صياغة القرار في المنطقة لعقد كامل من الزمن على الأقل.
أما روسيا وإيران، طالما أن الحديث عن أدوار ومواقع الأطراف العربية هو نوع من الحفر بالسكين لا يرحم، فإنهما تلاحقان الوضع في سوريا من موقع جديد كما تؤشر الوقائع والتطورات، إذ أيقنت كل من موسكو وطهران أن معركة الأسد خاسرة لأن أي حل سيكون على حسابه خصوصاً بعدما أصبح مؤكداً أن انتصاراً هنا أو هناك وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة لا يصنعان انتصاراً. البراغماتية السياسية، التي لا تنقص الإيرانيين والروس معاً، تدفعهما حالياً إلى البحث عن مخارج تحفظ لهما جزءاً من مواقعهما ومصالحهما. واستناداً إلى مصادر من المعارضة السورية وغيرها في باريس، فإن المواقف الجديدة تتبلور حالياً على النحو التالي:
[ طهران وسعت دائرة اتصالاتها بمختلف مكونات المعارضة السورية سواء كانت ليبرالية أو إسلامية، ووصل الأمر إلى حد وضع دعوات مفتوحة للحوار فوراً سواء في أوروبا أو طهران، وقاعدة الحوار البحث عن صيغة علاقات وتفاهمات حول سوريا ما بعد الأسد.
[ موسكو أبلغت من يعنيهم الأمر أن الرئيس بوتين أيقن أن الغالبية العظمى من الدول العربية وخصوصاً السعودية تعارض جذرياً وضع القوى الإسلامية كلياً يدها على سوريا المستقبل، وأنها ضد النصرة وأخواتها لأنها تشكل خطراً داخلياً عليها. بعد هذه القناعة البوتينية يصبح من الطبيعي ترجمتها في اتصالات ولقاءات مكثفة في الأسابيع المقبلة على طريق بلورة صيغة للتفاهم حول مستقبل سوريا.
مزيد من التصعيد العسكري هو عنوان الأسابيع المقبلة. وفي وسط كل هذا قلق تركي حقيقي من جنون الأسد نتيجة لليأس فيندفع نحو الاشتباك معها لإحراجها حيث إذا ردت فإن أبواب جهنم ستُفتح وإذا امتنعت فإن أردوغان يصبح الخاسر الكبير. أيضاً وهو مُجمع عليه، إن الحسم في المواقف مؤجل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في إيران في منتصف حزيران المقبل.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.