بنيامين نتنياهو مع الرئيس السوري بشار الأسد ودمار سوريا إلى الأبد. رئيس الوزراء الإسرائيلي كشف عن حقيقة موقفه وليس عن السر الذي عمل أنصار فارس العرب وقائد الممانعة والمقاومة لإغماض أعينهم عنه وكأنّ ذلك يلغيه، علما ان سكون الجولان طوال اربعة عقود هي عمر النظام الأسدي إثبات ميداني يومي، للتفاهم الخفي الذي كان الرئيس ياسر عرفات قد دفع ثمنه عندما لاحقه جيش حافظ الأسد إلى طرابلس بعد ان غزا الجيش الإسرائيلي لبنان وأخرجه من بيروت. الآن ما يهم إسرائيل من بقاء الأسد استمرار تدمير سوريا بحيث لو انتهت المعارك اليوم قبل الغد وكائناً مَن كان المنتصر فإن سوريا خرجت من دائرة القرار العربي والإقليمي لأكثر من عقد من الزمن، مثلها مثل العراق الذي ابتلي أيضاً بداء البعث الصدامي على وزن البعث الأسدي.
المفاجأة الوحيدة في كشف نتنياهو المستور من المعلوم هو التوقيت الذي تم حسابه بدقة. نتنياهو أراد منع فرنسا وبريطانيا من تسليح المعارضة السورية بعد ان تأكد من قرارهما، الذي يعني بداية تحول حقيقي في موازين القوى ميدانيا لغير مصلحة الأسد. نتنياهو نجح لان باريس ولندن لا يمكنهما المشاركة في عمل يهدد أمن إسرائيل.
هذا التطور العلني، يرسم خريطة جديدة للمعركة الإقليمية والدولية في سوريا وحولها. سوريا ليست جزيرة في المنطقة، لذلك لم يعد مفاجئا تحول المعركة إلى أم المعارك لقوى خارجية لا يعنيها الأسد وجوداً ومصيراً، بقدر ما تعنيها سوريا في حساباتها الواسعة وحتى الاستراتيجية. من هذا المنطلق يمكن قراءة الانخراط الإيراني والروسي بكل ما يملكان من قدرات.
الأهم من ذلك كله، وهو تطور خطير قد يحقق ما لم تحلم إسرائيل بتحقيقه رغم مشاريعها ومخططاتها الكثيرة، هو إشعال حرب سنية - شيعية لا تتوقف خصوصاً أن كل طرف يملك ما يكفي من الوقائع والروايات لرمي الزيت على نارها.
المثير في هذا التحول ان خطوطا حمراء كثيرة قد سقطت. مهما غالت الأطراف المعنية بالنفي، فإنّ إيران التي تعتبر إسرائيل سرطانا يجب إزالته وان حزب الله الذي حرر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، يقفان دوفاكتو اي بالأمر الواقع، في جبهة واحدة مع إسرائيل في الدفاع عن الأسد كل منهما لأسباب وأهداف مختلفة لكنها تصب فيطاحونة الأسد.
الأخطر والأسوأ من ذلك كله، ان مشاركة حزب الله في القتال مباشرة مع الجيش الأسدي وبأعداد كبيرة من المقاتلين، وسقوط العشرات منهم بين قتيل وجريح، لم تعد محصورة بحماية القرى الشيعية في القصير وهي اصلا ليست مهمة بندقية المقاومة، وضعته في مواجهات مباشرة مع جبهة النصرة اي القاعدة. السفير الروسي في باريس الكسندر اورلوف الذي سبق ان تحدث عن تنحي الأسد، وسارعت وزارة الخارجية الروسية إلى تعديل كلامه وليس نفيه، قال في مقابلة تلفزيونية لم تبث: تحولت الصدامات في سوريا إلى صدام بين أصوليتين: شيعية مع حزب الله وسنية مع النصرة اي القاعدة. بعيداً عن هدف السفير الروسي في فرملة تسليح المعارضة السورية فإن ذلك واقع يطيح كل خطابات ايران وحزب الله في منع الفتنة السنية - الشيعية.
الرئيس الأسد بدا رغم انقطاعه عن الواقع، مرتاحاً لوضعه، لانه اعتاد توجيه سلاحه ضد السوريين وأملاكهم والبنى التحتية للبلاد، وهو كما يبدو مازال يراهن على صموده بانتظار حدوث تحولات تسمح له بالبقاء في السلطة ضمن تسوية خاصة بسوريا او المنطقة، علماً ان كل مشاريع التسويات والحلول تضعه خارج السلطة.
حالة الجمود التي تمر بها الحالة السورية لن تستمر إلى الأبد. من غير المقبول ان تترك سوريا لتصبح دولة فاشلة كما الصومال. موقع سوريا يفرض قواعده وشروطه. خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ستبرز تحولات ميدانية أساسية نتيجة لتطورات عميقة. لم يعد سراً تشكل لواء عسكري (اكثر من ثلاثة آلاف جندي) مدرب ومسلح جيدا في شمال سوريا على الحدود الاردنية، وسيتم تدريب مجموعات اخرى بقيادة الجنرال حمد الناعمة (كما كشفت لوموند)، وذلك كله لان دولاً خليجية واجهت الوضع ورأت انه لم يعد ممكنا ترك الثورة لتهيمن عليها ولا لإيران بالانتصار ولو مؤقتاً لا بل توجد فرصة لتوجيه ضربة مباشرة للمرشد آية الله علي خامنئي الذي وضع كل ثقل بلاده إلى جانب الأسد.
رداً على اليائسين في الغرب من نتائج الربيع العربي ووصول الإسلاميين إلى السلطة، قال الكاتب سلمان رشدي المحكوم بالإعدام بتهمة الإساءة إلى الاسلام بفتوى من الامام الخميني: لا اجد نفسي متفائلا ولا متشائما. اعرف جيدا ان الرغبة في الحرية موجودة دوماً وهي تعمل وتنتج... كما في سوريا.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.