صورتان صنعتا الحدث. الاولى، الرئيس بشار الاسد، مع رجاله من قوى آذار والقومية في لبنان الذي لم ينتقل الى افريقيا، لذلك يجب ان يدخل المعركة الى جانب الجيش الأسدي والشبيحة وجيش الدفاع الوطني، لتوجيه الضربة القاصمة الى أطراف الحرب الكونية ضده وضد جبهة الممانعة والمقاومة، وطبعاً ان لا يعد لبنان شركة مساهمة كما هو الآن يعين فيها موظف ويزاح من الخارج، اما تعيين الوزراء وصولاً الى المخاتير وتصفية اي معترض فانه كان من صلب سياسة وحدة المسار والمصير، وهذه الوحدة عائدة مع النصر القادم وما على كل القوى المشاركة في ضرب الحرب الكونية سوى العمل لإلغاء سياسة النأي بالنفس لأن لبنان ليس في افريقيا. اما ماذا يكون مستقبل لبنان وإمكانية نسف وحدته وبقائه فليس مهماً لان الأساس والمهم بقاء الاسد الى الأبد.
الثانية، المرشد آية الله علي خامنئي مع السيد حسن نصرالله في طهران. الصورة ليست عادية وهي بجميع المقاييس استثنائية في توقيتها وتفاصيلها. من المؤكد ان اللقاء في طهران بين الأمين العام لـحزب الله ليس الاول منذ حرب تموز عام ..، رغم ان السيد لم يعد يقابل جماهيره الا عبر شاشة التلفزيون ولم يخالف ذلك إلا مرة يتيمة، فالأخطار الأمنية تفرض الحذر الشديد. لكن لاول مرة، يأخذ اللقاء طابعاً خاصا جداً. بداية، لم يسبق للمرشد ان أخذت له صورة رسمية وهو يستقبل ضيفاً مهما كانت أهميته وهو يقف الى جنبه، كما في صورة لقائه مع السيد هذه المرة. في جميع الصور الرسمية، المرشد يبقى جالساً على كرسيه مع ضيفه. اما بخصوص السيد حسن نصرالله فإن صورة اللقاءات السابقة الموزعة من طهران تقدمه وهو يهم بتقبيل يد الولي الفقيه او يقبل كتفه، لذلك يصبح هذا الاستثناء موضع تساؤل مشروع وطبيعي.
تكبّد السيد نصرالله المخاطر الأمنية الضخمة، ومن ثم الكشف عنها حتى ولو بعد عودته الى لبنان آمناً وسالماً، يعني ان الهدف من اللقاء لم يكن لبحث أمور روتينية وانما قضايا استراتيجية مشتركة. طبعا سوريا في قلب هذه المباحثات. مشاركة مقاتلين من حزب الله بكثافة في القتال ثابت وأعداد القتلى والجرحى المعروفين وغير المعلن عنهم تترجم حجم الانخراط الضخم وغير المسبوق للحزب بعيداً عن الجنوب اللبناني. المرشد خلط بين مستقبل الأسد ومستقبل النظام الإيراني تحت شعار الدفاع عن جبهة المقاومة والممانعة. لم يعد بإمكان المرشد العودة الى الوراء. مشكلة خامنئي الذي يحاصره استحقاق الانتخابات الرئاسية عنده، انه محكوم بالصمود مع وجود الاسد، وانه مع الاسد ونصرالله يجب ان يغيروا بعض الموازين حتى لا يفاوض قيصر روسيا من كيسهم مع أوباما. المشكلة الاخرى التي تحاصر المرشد انه يستطيع ان يفتي ويصبح المقاتلون الذين تدربوا للقتال ضد اسرائيل لحم مدافع في معركة صمود الاسد لانه وان كان يمكنه إرسال خبراء وأسلحة لكنه لا يمكنه إرسال قوات قادرة على تغيير موازين القوى لانه يعطي الفرصة لإسرائيل لضربه حتى ولو اضطرت الى إلحاق الهزيمة بحليفها الضمني النظام الأسدي. اذاً هذه المرة حاجة خامنئي الى نصرالله وقواته تتجاوز بكثير كل ما سبق في تاريخ العلاقات منذ ولادة الابن الشرعي والوحيد للثورة والدولة الإيرانية. لذلك فان الصورة المشتركة للولي الفقيه والسيد ليست صورة للأب والابن وانما لشريكين في المسار والمصير.
لهذا التحول تبعاته وارتداداته. كلما اشتدت المعارك في سوريا كانت الكلفة اكبر. خامنئي يريد تغيير المعادلة في سوريا ليسجل نقطتين: واحدة داخلية يعيد فيها إمساك الوضع وصياغته على مقاسه خصوصاً في الانتخابات الرئاسية، والثانية خارجية ليلوي يد الغرب خصوصاً الأميركيين في المفاوضات العلنية. اما السيد فانه يريد تحقيق الانتصار مع الاسد ليفرض موقعه داخلياً لانه يعرف ان زمن الاستقواء بسلاح المقاومة يتراجع مع انهيار ساعة الرمل.
يبقى انه مقابل طموحات الولي الفقيه والسيد بالانتصار في سوريا ولو على حساب المكون الاساسي للشعب السوري وهم السنّة وكل طالبي الحرية من الطوائف الاخرى، وهي قطعاً طموحات فقط، دون تحقيقها عبور بحر من الدماء والخراب، فانه يوجد رابحان. الاول وهو مؤقت اي الاسد الذي يستثمر الاموال والدماء الإيرانية واللبنانية والفلسطينية (جماعة احمد جبريل في قوسايا) لمتابعة تدمير سوريا ليبقى الى الأبد. ورابح كبير على المديين القصير والطويل وهي اسرائيل التي تخلصت من سوريا لزمن طويل سياسياً وعسكرياً وصاحبة قرار، وايضاً في انخراط حزب الله في المعارك في سوريا التي تبعده عن الحدود معها وتحول كل يوم معارك إضافي الى جملة خسائر في المقاتلين والمعنويات، الى جانب تعميق الشدخ وتحويله الى خندق مليء بالأحقاد الممتزجة بالدماء، مما يجعلها حيّة يمكن اللعب عليها وتغذيتها لعقود طويلة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.