8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أوباما ونتنياهو وبينهما الأسد وإيران

يبقى ربع الساعة الأخير من أي حدث معقّد، مليئاً دائماً بالمناورات والضغوط السياسية والعسكرية الدموية وحتى التحولات المفاجئة خصوصاً في مثل الحالة السورية. إيران وإسرائيل دعما النظام الأسدي بطرق ووسائل مختلفة تبعاً لطبيعة العلاقة التبادلية بين الثلاثة.
الأولى بدأت العلاقة مع انتصار الثورة. الأسد الاب عرف كيف يلعب بمهارة فحوّل العلاقة الى منشار يستثمر عائداته في الذهاب والإياب من النظام الإيراني ومن العرب، مبقياً في ذلك على خصوصية العلاقة التبادلية المتوازنة، أما ايران فعرفت حدودها وعملت لحياكة علاقات تمكّنها من خدمة طموحاتها الأيديولوجية خصوصاً في لبنان وحزب الله. أما الأسد الابن فانزلق تدريجياً حتى سقط كلياً في الحضن الإيراني وخارج الخيمة العربية، وذلك باسم المقاومة والممانعة. بدوره النظام الإيراني ذهب بعيداً في استغلال انزلاق الأسد تحت عباءته فحوّل سوريا الى مساحة مفتوحة له بنى عليها الكثير من طموحاته الاستراتيجية من السياسة الى مراكز ومعامل تطوير الأسلحة المتطورة. لذلك فإن سقوط الاسد خسارة لا تعوّض للنظام الإيراني، ومن الطبيعي أن يقاتل بكل إمكاناته لإنقاذ الاسد حتى ولو اقتضى ذلك إقحام قوات حزب الله في المعارك داخل سوريا وضد المكوّن الاساسي للثورة وهم السنّة بعيداً عن الجنوب وبندقية المقاومة.
إسرائيل قدّرت حجم طموحات الأسد الاب في ترسيخ نظامه وتوسيع نفوذه الجغرافي وفي أساسه لبنان والسياسي - الايديولوجي خصوصاً ما يتعلق بفلسطين ومنظمة التحرير، فأعطته الأمان في الاستيلاء على لبنان وفي التدخل العسكري لملاحقة ياسر عرفات وقواته خارج لبنان وتركه عارياً في تونس. أما الاسد الأب وبعده الأسد الابن (رغم التزام المقاومة والممانعة)، فإنهما تركا اسرائيل بأمان لتضع يدها على الجولان وتحويله الى جنّة استيطانية. لذلك فإن ما يهم اسرائيل ليس شخص الأسد وإنما الخدمات التي يقدّمها فإذا ما انتهت خدماته انتهى مكانه وموقعه عندها. المهم والأساسي لإسرائيل أمنها، الذي تعمل ما بوسعها لضمانه.
الرئيس الايراني أحمدي نجاد المهتم بإحراج المرشد آية الله علي خامنئي في هذه المرحلة، فتح الباب نحو احتمال سقوط الأسد وبالتالي ضرورة البحث عن خيارات بديلة سواء مع مصر واللجنة الرباعية. نجاد لا يملك الوقت للدخول في معادلة التغيير في سوريا، لكنه على الأقل يؤشر الى المرحلة المقبلة وفي صلبها ما العمل لمنع تمدد الحريق السوري بعد سقوط الأسد الى المنطقة التي نحن جزء منها؟، أما إسرائيل فإن لعبتها أكثر تعقيداً، ذلك أن بنيامين نتنياهو وهو يرد على البحث في وضع الاسد فإنه يرمي الى قبض الثمن مضاعفاً خصوصاً من خصمه الرئيس الأميركي باراك أوباما.
إسرائيل رابحة كبيرة وكبرى من الحالة السورية. سوريا انهارت وخرجت من دائرة القرار الإقليمي لسنوات طويلة. إيران تستنفد يومياً على جميع الأصعدة وأهمها تحوّلها الى خصم وأحياناً الى عدو مذهبي للأكثرية من العرب، وهي لن تستطيع تعويض الأسد، ومهما كانت طبيعة النظام الذي سيرث سوريا المدمرة فإنه لن يكون حليفاً لها، بذلك تكون قد خسرت استثماراً استراتيجياً لا يعوّض. في الوقت نفسه فإن حزب الله لن يجد مثله مثل والده الشرعي النظام الإيراني حليفاً لا يعوّض، وهو نتيجة انخراطه في الحرب ضد الثورة في سوريا سيجد نفسه محاصراً، وعليه أن يُعيد حساباته في العمق ويتكيّف مع المستجدات، وأن يجد العلاج الطويل الأمد للجراح وحتى الأمراض التي خلّفها انخراطه في عمق سوريا ضد الشعب السوري المظلوم.
أمام تراكم الأرباح في الخانة الاسرائيلية، ما الذي تغيّر حتى يغيّر نتنياهو موقفه من الأسد ويتخلّى بالتالي عنه؟
يقول مصدر فرنسي مطّلع إن باريس مطّلعة عن كثب على الموقف الاسرائيلي وهو:
[ أن الأساس قد تحقق وهو خروج سوريا من المعادلة وإضعاف إيران وبالتالي فإن الحرب الداخلية ودخول النصرة على الخط وتحوّلها الى قوة فاعلة تزداد قوة وانتشاراً في كل يوم جديد من المعارك في وقت سقط احتمال انتصار الأسد، أمر يتطلب مراجعة عميقة.
[ أن خطر تحوّل سوريا الى دولة فاشلة يُقلق الإسرائيليين لأنه يشكّل خطراً قائماً ودائماً على الجميع ولفترة زمنية طويلة في منطقة لا يعوزها الزيت لقذفه على النيران الكامنة والمشتعلة فيها.
[ أنه عكس كل ما يشاع فإن تقسيم سوريا الى دولتين علوية تمتد من القصير في حمص وصولاً الى آخر نقطة في الجبل العلوي، يعني تحول المقطع الآخر من سوريا المحاذية لإسرائيل الى دولة طالبان النصرة على مثال أفغانستان بكل ما يعني ذلك من حروب جديدة في طبيعتها ونوعيتها وأسلحتها. والأخطر من ذلك كله أن سكان هذه الدولة سيكونون مشبعين بالأحقاد القديمة والجديدة مما سيحوّل قتالهم ضد إسرائيل الى أشرس الحروب.
إلى جانب كل هذه الأسباب السورية، فإن نتنياهو يستثمر وضع أوباما نفسه في مربع مقفل من الخطوط الحمر في مواجهة سوريا لتوجيه ضربة له تجعله يخسر إما مصداقيته أو المسار الذي وضعه لنفسه. أوباما ليس مضطراً للتدخل العسكري المباشر، يوجد العديد من الطرق والوسائل للحسم.
الوضع في سوريا أصبح مفتوحاً على كل الاحتمالات والخيارات بما فيها التصعيد العسكري، وتسريع حصول توافق روسي - أميركي على الحل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00