سوريا تحولت إلى شياح عين الرمانة انما على خريطة أوسع. تتداخل فيها خطوط التماس، التي تتمدد أحياناً لتنكمش أحياناً أخرى. أي تغيير طفيف، يدفع ثمنه المدنيون قبل حاملي السلاح. الحسم مؤجل. لأن الحل لم ينضج بعد. المعركة لم تعد سورية سورية. منذ فترة طويلة، تحولت إلى حرب إقليمية دولية، حتى لو تنوعت الأدوار والمواقف وطبيعة انخراط كل طرف. تعدد الأطراف المحاربة خصوصاً الخارجية منها، تجعل إعلان الانتصار، جزءاً من أوهام تنتج المزيد من الخسائر التي لا يمكن تفسيرها بالقول: لم نقدّر حجم المعركة أو المؤامرة، أو انتظرناهم من الشرق فجاؤوا من الغرب.
السيد حسن نصرالله، قد يكون مضطراً أمام جمهوره الى إعلان النصر، وبقاء دمشق. مجرد قول السيد إن دمشق باقية ولا يؤشر إلى بقاء الأسد، يعني انه يعرف لا بل انه واثق من خسارة الأسد، بذلك حيث السيد يقول ما لا يضمر، وإنما ما يراه مناسباً لرفع معنويات جمهوره وهو في بداية المعركة الخسائر الفعلية لم تبدأ بعد. خسائر حزب الله المقبلة ستكون أضخم بكثير. كلما انزلق الحزب في المعارك، وتمدد جغرافيا من مقام السيدة زينب وريف القصير إلى الشمال حتى حلب ارتفع منسوب خسائره. اليوم يذهب شباب الحزب غير المدربين جيداً مثل القوات العاملة في الجنوب، إلى سوريا بعد دعوتهم لنجدة مقام السيدة زينب واخوتهم في ريف القصير. لكن ماذا سيفعل الحزب اليوم وغداً عندما يعرف أهالي الضحايا ان ابناءهم قتلوا أو جرحوا وأصبحوا معوقين في معارك حلب وغيرها من المواقع؟
يركز الحزب على أن انخراطه في سوريا ليس له علاقة بالمذهبية، مجرد أن يرسل المقاتلين إلى مقام السيدة زينب وإلى حماية اخوتهم في ريف القصير، يعني انهم ينخرطون في مواجهة مذهبية، عندما يتواجه الحزب مع النصرة، يعني ان الأصوليتين السنية والشيعية تتواجهان، من المؤكد أن الطرفين خاسران. أما الرابحون فإنهم بعيدون عن الساحة مثل إيران والولايات المتحدة الأميركية.
دمشق لن تسقط كما يقول السيد حسن نصرالله بيد واشنطن وتل أبيب وبعض العرب. أصلاً سقطت دمشق منذ اليوم الأول لمذبحة أطفال درعا على يد النظام الأسدي. الأميركيون والإسرائيليون لم يشعلوا النار في سوريا. الرئيس بشار الأسد أشعل النار وصبّ عليها الزيت يومياً حتى تعسكرت الثورة المدنية، واستجلبت كل التدخلات. المسؤول هو الأسد. الظالم هو الأسد. واشنطن وتل أبيب تستثمران الحرب العبثية التي شنها الأسد على شعبه الذي ورثه من والده، فكان موقفه منه يكون هذا الشعب في خدمتي أو لا يكون.
إيران تحقق مكاسب من صمود النظام الأسدي، لانها تتحرك وفق مسار تفاوضي مع واشنطن. كل يوم صمود في سوريا للنظام الأسدي يعزز موقفها التفاوضي. سقوط النظام الأسدي، يعني لها الخسارة الاستراتيجية الضخمة. لذلك لا يهم طهران أن يتحول شباب حزب الله إلى لحم مدافع، بعد ان كانوا مجاهدين من أجل تحرير الارض. الايديولوجيا والفكر الإسلامي أصبح قاطرة في القطار الإيراني، وليس المحرك ولا حتى السائق.
أما واشنطن فإنها الرابح الكبير. لأول مرة، يخوض الأميركيون مواجهة واسعة على عدة جبهات في مرحلة يمكن ان يطلق عليها تعريف الفوضى الاستراتيجية لأن زمن القوة الأحادية انتهى وزمن التعددية في القوى لم يتشكل بعد، دون أي كلفة بشرية أو مالية. هذه المواجهة كلفتها صفر في الأرواح والمال. واشنطن تنتظر ان يتعب الجميع حتى يلح العالم عليها التدخل ولو عبر فتح باب التدخل مواربة. في الغرب يقولون لماذا تستعجلون التدخل الغربي والأميركي في سوريا. في كوسوفو التي هي جزء من أوروبا لم نتدخل إلا بعد ثلاث سنوات وحصول مجازر واسعة بالعشرات.
الواقعية السياسية، تفرض على أي سياسي خصوصاً مثل السيد حسن نصرالله أن يحضر نفسه وجمهوره للاجابة عن سؤال مشروع وواقعي، ما العمل لو خسر الأسد وسقط النظام الأسدي؟
استبعاد هذا الاحتمال، يعني الانتحار السياسي. المشكلة أن حزب الله لن يتجرع وحده كأس السم الهزيمة السوري. الطائفة الشيعية كلها ستتجرع معه من هذه الكأس، لأنه في حروب مثل السورية حيث الأصوليتان الشيعية والسنية تتواجهان لا مجال للرحمة فيما بعد، ليس على مساحة سوريا وعلاقة الشعبين اللبناني والسوري فقط وانما على مساحة العالمين العربي والإسلامي معاً.
عندما يقول الشيخ ماهر حمود وهو المعروف أنه من أعمدة دعم حزب الله في الجنوب: ان حزب الله أقحم نفسه فيما لا يعنيه واستجلب عداوة ملايين من الناس الذين لا يستطيعون تفسير تدخله في سوريا إلا من خلال التفسير المذهبي الضيّق. يعني ان الزلزال الكبير قادم.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.