الحل في سوريا، ليس وراء الباب. لا يكفي اتفاق موسكو وواشنطن، حتى يعود السلام إلى أرجاء سوريا. الاتفاق خطوة مهمة، لكن ما زال أمام موسكو وواشنطن مفاوضات عديدة وشاقة. في هذه الأثناء، سيتابع الشعب السوري دفع ضريبة الدم والخراب. آخر هموم الدول الكبرى مصائب الشعوب الصغيرة. مثال كوسوفو وكل يوغوسلافيا السابقة ما زال ماثلاً. انتظر الغرب ثلاث سنوات من المجازر حتى تدخل، وانهى الحرب، بعد أن حقق كل طرف مصالحه.
الغموض البناء، سيد الموقف في كل ما يجري. في قلب هذا الغموض تفاصيل لعُقدٍ، كل واحدة منها تتطلب جلسات طويلة من المفاوضات، ومعارك عسكرية دامية تلوى فيها أيدي المتحاربين في سوريا، ليقدموا التنازلات ويقبلوا بما ستتوصل اليه الدول الكبرى والوسطى والصغرى المعنية أو التي أقحمت نفسها في وحول ومستنقعات دماء السوريين. أمام موسكو وواشنطن أسئلة كثيرة عليهما الإجابة عنها بالسرعة الضرورية. منها:
[ الدول التي ستشارك في المؤتمر الدولي المزمع عقده. إذا كان من السهل الإجابة عن تسمية عدد من الدول الدولية والعربية والإقليمية، فإن سؤالاً أساسياً سيطرح عن موقع إيران في هكذا مؤتمر وهي الطرف الميداني الفاعل والمؤثر في سوريا الى جانب النظام الأسدي. من الطبيعي أن المشاركة وحدها نصف مشكلة أو أقل، الأهم ماذا سيكون دورها في صياغة الحل وإلى أي مدى سيتم الأخذ بموقفها. باختصار من من الدول لها حق الفيتو في داخل المؤتمر ومن ليس لها، ومن هو العضو المراقب أو العضو الذي دوره بعد الحل؟
[ المشاركون في المؤتمر سواء من النظام أو المعارضة: هل سيحضر المعارضون ويشاركون كأفراد أو كممثلين عن تنظيمات وائتلافات. وما هو موقع المعارضة الداخلية من جهة والخارجية في المؤتمر؟ أيضاً كيف سيشارك الجيش السوري الحر، ومن سيمثله حتى ولو أنه يقال اليوم إن الرجل المقبول فيه هو العميد سليم إدريس؟ وماذا عن النظام؟ إذا كان الأسد لن يشارك فماذا يمنع أن يبقى هو من يدير الوفد الرسمي، المشكل مِن مَن؟ وما هو دور الأسد في المرحلة الانتقالية؟ هل سيكون الرئيس الذي لا يرأس بعد أن كان الديكتاتور الذي لا يرحم؟ أم أن له دوراً بين الضفتين؟ والأهم من كل ذلك ما هو مستقبل الأسد في كل هذه العملية هل يبقى إلى العام 2014 وإذا بقي هل سيحق له المشاركة في الانتخابات الرئاسية؟ وفرضاً إذا قيل لا ورفض ذلك وأصر على المشاركة في الانتخابات كيف سيتم التعامل معه؟
[ كيف وممن ستشكل القوات الدولية المفترض أن ترعى العملية السلمية وتمهد للحل بخطوات تنفيذية على الأرض؟ منذ الآن يجري التداول بتشكيل قوة دولية من أربعين ألف جندي ينتشرون على كامل الأراضي السورية. والدول المقترحة لهذه القوة حتى الآن هي: مصر وماليزيا واندونيسيا والبرازيل والهند وكازاخستان. وإذا ما تم إقرار تشكيل هذه القوة في مجلس الأمن، كم سيأخذ تنفيذ هذا القرار من وقت سواء من حيث التمويل والعديد وحتى طبيعة ونوعية الأسلحة التي يحملونها؟
هل لهم حق الدفاع عن النفس وفي أي حالات؟ أم أن مهمتهم ستكون أوسع وأكثر قوة وفعالية؟ باختصار هل يحق لهذه القوات التدخل العسكري في حالات معينة وما هي وكيف؟
[ كيف سيتم تنفيذ الشروط الأساسية لأي حل يتم التوصل إليه الذي من مقدماته كما أصبح متفقاً عليه إطلاق سراح كافة السجناء وتحديد مصير المفقودين وبالتالي إقفال كافة السجون القديمة والمعتقلات الحديثة للسجناء السياسيين، خصوصاً أن تشكيل القوة الدولية سيأخذ وقتاً ليس قصيراً؟ وكيف سيتم التعامل مع الذين سيعرقلون تنفيذ هذا الشرط الأساسي مهما كان موقعه؟ وهل يكفي التهديد بالملاحقة والاقتصاص من الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية سواء كانوا من النظام أو من المعارضة لإجبار المعترضين أو المعرقلين للحل على لي ذراعهم وإجبارهم على المشاركة في التنفيذ بالسرعة المطلوبة؟
[ ما هو مصير القوى المسلحة ومستقبلها سواء العاملة في الجيش السوري والذين قاتلوا منهم والذين بقوا في الثكنات؟ وما هو مستقبل الشبيحة وكيف سيتم التعامل معهم وكيف ستتم حماية العديد منهم من الذين عانوا من سلوكهم أو حتى من إجرامهم؟ وماذا عن مستقبل الجيش السوري الحر؟ هل ستتم إعادة عديده الى الجيش وضمن أي صيغة خصوصاً أن أحقاداً نشأت بين بعضهم وبعض الضباط والجنود العاملين؟ وماذا عن النصرة وأخواتها هل يكفي أن يصدر قرار بأنهم تنظيم إرهابي حتى تحل معضلتهم؟ وماذا عن الغرباء من غير السوريين سواء كانوا عرباً أو غير عرب الذين يقاتلون مع النصرة؟ هل يتم اعتقالهم وزجهم في السجون أم يسلمون الى بلادهم لتقرر موقفها منهم خصوصاً أن الكثيرين منهم حازوا قبل مجيئهم الى سوريا على موافقة ضمنية من سلطاتهم؟ وماذا عن العراقيين الشيعة وأعضاء حزب الله، هل يعودون كما دخلوا، وماذا عن القرى الشيعية الواقعة شمال البقاع. كيف ستتم حمايتها خصوصاً أن احقاداً قد ولدت ونشأت مع محيطها السوري وهل تتحول الى شريط شيعي يتولى الحزب ضمناً حمايتها حتى تشكل الجيش السوري المستقبلي؟ أم أن القوات الدولية ستتولى المهمة؟
هذه أسئلة من ألف سؤال يجب الإجابة عنها، بعضها بسرعة وبعضها الآخر مع الوقت وتنفيذ أي اتفاق خطوة خطوة. حتى ذلك الوقت، فإن المعارك ستبقى دائرة في سوريا. أما جبهة الجولان فإنها ستبقى كما كانت منذ ولادة النظام الأسدي منذ أكثر من أربعة عقود ساكنة قد تعكرها بعض القذائف. الجولان لن يتحول الى أرض مقاومة لأن ديكتاتوراً بحجم الأسد لا يمكن أن يكون مقاوماً. المقاومة ليست سلعة تصدّر أو تستورد. المقاومة فعل شعبي أساسي يقوم على العلاقة الإنسانية والسياسية بين القيادة والشعب، وهذه غرقت في بحر دماء السوريين منذ انطلاق الثورة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.