غموض مستقبل سوريا، فتح الشهية الدولية لطرح سيناريوات مختلفة تبدأ منها، وتنتهي بصياغة جديدة للشرق الأوسط. باختصار، سوريا التي كانت موجودة انتهت، والشرق الاوسط الذي تشكل بفعل مقص سايكس- بيكو، حان الوقت لإعادة ترتيبه بـمقص جديد تشارك فيه الدول التي غابت عنه وهي الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي والصين الشعبية.
تقرير دبلوماسي وصل من عاصمة بعيدة عن المنطقة لكنها محاذية للمطبخ الأميركي، أفاض في تحديد الخطوط الخضر والحمر التاريخية منها والتي ستستحدث في منطقة الشرق الأوسط الكبير. نقطة الانطلاق، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي كما يبدو يبطن أكثر مما يقول، جدي جداً في فرض صيغة للسلام في المنطقة خصوصاً بين الفلسطينيين والاسرائيليين. البداية أن الحروب انهكت الجميع وأثبتت أن النصر أصبح فيها مستحيلاً لأي طرف من الأطراف، لأنه لم تعد توجد حروب كلفتها صفر. كل الحروب أصبحت مكلفة. حرب العام 2006 أثبتت ذلك. قوة حزبية قادرة على إلحاق خسائر تفرض على اسرائيل إجراء حسابات عديدة قبل الدخول في أي حرب أخرى.
مقدمات هذا المسار الأوبامي، ما حدث في الأسابيع القليلة الماضية، عندما قبل العرب مبدأ تبادل الأراضي، ونتنياهو مبدأ قيام الدولتين. أما من يعترض على الحل مثل حركة حماس، فإن الاخوان المسلمين خصوصاً في مصر سيتولون ضبط إيقاعها وتخفيض سقف اعتراضاتها.
الانطلاق في هذا المسار، يفتح مساراً آخر بدايته من سوريا، حيث يتم رسم الشرق الأوسط الجديد الذي سيقوم على إنشاء أربع مجموعات غير متحاربة وهي:
[ مجموعة دول عربية سنّية، يلعب الإخوان دوراً مهماً في قيادتها لكن القيادة الفعلية والأولى هي للسعودية وتتميز هذه المجموعة بأنها ستكون مدعومة أمنياً وعسكرياً من تركيا، وسيكون لمصر مستقبل للعب دور إقليمي عربي ودولي.
أما سوريا التي ستكون ضمن هذه المجموعة فإنها ستعترف للأكراد بالحكم الذاتي وتكون معاملتها للعلويين بالتوازي والتوازن مع معاملة السنّة في العراق.
النقطة الإيجابية في هذا التقرير هي لصالح لبنان الذي سيزدهر ويكون للمسيحيين فيه موقع مميز يشكل نقطة انطلاق ومثالاً لباقي الأقليات في المنطقة.
[ مجموعة ايران الشيعية التي ستكتفي بامتدادها في جنوب العراق سياسياً واقتصادياً وبشرط ألا يهدّد هذا النفوذ وحدة العراق والحضور السنّي والكردي فيه.
[ مجموعة الأقاليم أو المناطق الكردية في العراق وتركيا وسوريا وإيران وهي ستتمتع بحكم ذاتي وتواصل اقتصادي وحماية غربية واعتراف بثقافتها إضافة إلى حضورها الحضاري المستقل كل ذلك شرط ألا تتحول الى دولة حتى لا يقع التقسيم إلى دول لا بد أن تكون متخاصمة أو متنافسة أو متحاربة.
[ المجموعة الرابعة وهي اسرائيل الأقوى عسكرياً وهي ستكون نقطة تقاطع أساسية لكل الضمانات الأمنية، خصوصاً متى نفذ قرار نزع السلاح النووي من منطقة الشرق الأوسط. وكذلك سلاح حزب الله بالاتفاق مع إيران.
ماذا عن الدول الأخرى؟ الاتحاد الروسي سيتلقى من الجميع، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، الضمانات الكافية لاحترام مصالحه الحيوية في آسيا الوسطى والقوقاز وأيضاً الاقتصادية في الشرق الأوسط خصوصاً الغاز وخطوط الأنابيب المتعلقة به... بدورها فإن الصين ستأخذ ما تريده من نفط إيران وباقي الأسواق لتلبية حاجاتها الاستهلاكية الضخمة واحترام نفوذها في آسيا وسيكون لها كالروسي حضور في إعادة إعمار سوريا بأموال عربية. وكانت العنتريات النووية الكورية الشمالية رسالة صينية واضحة لواشنطن أنه ممنوع عليها اللعب في حديقتها الخلفية ومحاولة الاخلال بالتوازن في آسيا.
طبعاً هذا سيناريو من عدة. السفير البريطاني في لبنان طوماس فلتشر تحدث عن مشروع سايكس بيكو جديد مضيفاً خارج المنبر أن مجموعة دول البريكس التي تضم الاتحاد الروسي والبرازيل والهند والصين تعمل على تنفيذ المشروع. من الواضح أن روسيا هي المتهم الأول خصوصاً بعد أن تحولت إلى جدار لا يمكن القفز فوقه في مجلس الأمن.
هذا مع الإشارة إلى سيناريو تقسيم سوريا إلى دولة علوية تمتد من الحدود التركية إلى حمص فالقرى الشيعية في منطقة القصير, ودولة أخرى سنية تحكم النصرة قبضتها عليها.
على الورق كل المشاريع ممكنة. على الأرض موازين القوى الداخلية والإقليمية الدولية هي التي ترسم وتنفذ. المهم أنه ما لم تتحدد خطوط التماس فعلياًَ في سوريا، وترسم بشكل دقيق المصالح المضمونة للأطراف الدولية فالإقليمية، فإن الحرب مستمرة والسوريون سيتابعون دفع ضريبة كل ذلك من أرضهم ودمائهم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.