معركة القصير ليست بداية الحرب في سوريا ولا خاتمتها. الحرب طويلة، وهي واحدة من عشرات. رغم ذلك، فإنّ معركة القصير، تشكّل نقطة تحوّل يمكن القول عنها من دون تردّد، ما قبل القصير وما بعدها، لأنّها تشكّل الإعلان الميداني، لتأكيد تحوّل الحرب في سوريا، إلى حروب اقليمية ودولية، شاء أم أبى حزب الله وإيران فإنّهما قاما بغزو الأراضي السورية.
انخراط إيران وحزب الله في المعركة وسقوط عشرات القتلى والجرحى منهم، من أجل حماية النظام الأسدي بدعوى حماية قلعة الممانعة والمقاومة، زلزال استثنائي في قوّته ومكانه، ستكون له بعده زلازل ارتدادية خطيرة على كل المنطقة وليس فقط على إيران وحزب الله وبطبيعة الحال سوريا.
القراءة الأولى لآثار هذا الزلزال، توضح وتؤكد:
[ إنّ حزب الله لن يخرج من القصير وما بعدها معافى ولا سالماً. في 7 أيار بدأ تشوهّه في أزقة بيروت، وفي القصير اكتمل تشوهه. كان مقاومة فأصبح ميليشيا في خدمة النظام الخامنئي الذي له طموحاته الخاصة. عمّد حزب الله انحرافه عن المقاومة بدماء مقاتليه الذين انخرطوا فيه للقتال ضدّ العدو الإسرائيلي، فإذا بهم يقاتلون في مواجهة عدو صُنِعَ في مطابخ لا علاقة لها بالمقاومة. هذا التحوّل الانقلابي لـحزب الله في موقعه وهويته ودوره سيدفع ثمنه الشيعة، مثلما دفع السنّة ثمن انخراط أبنائهم في أفغانستان ضدّ السوفيات.
[ إنّ مشاركة حزب الله تحديداً في معركة القصير وما قبلها وما بعدها، تحفر عميقاً في الذاكرة الشعبية السورية. مهما قيل عن دواعي وأسباب هذه المشاركة، ومهما جرى تسييسها وإبعادها عن المستنقع المذهبي، فإنّ الأقاصيص الشعبية التي بدأت تجد في الروايات عن القتال والمعارك تأسيساً دموياً لصراع مذهبي بدا كامناً طوال أكثر من عشرة قرون واليوم يتم إيقاظه وضخّ الحياة فيه تأسيساً لألف عام جديد تختلط فيه الوقائع بالأساطير.
[ إنّ الثورة في إيران التي قادها الإمام الخميني كانت إسلامية، لا سنّية ولا شيعية. وإسلامية لا فارسية ولا عربية. الآن في سوريا تأخذ هذه الثورة ألواناً أخرى مذهبية وقومية لا علاقة لها بالألوان التي صاغها الإمام الخميني والشعب الإيراني الذي ثار على الشاه وسياسته التي من ضمنها عداؤه للعرب.
[ إنّ سقوط القصير، ليس كل شيء إن حدث. السقوط حصل في هذا الصمت العربي الاقليمي الدولي. لقد تُرك المقاتلون اليوم وغداً في مواقع أخرى، دون سلاح ولا ذخيرة. استخدم الأسد كل قوّاته الجوّية ولم يعترض أحد. كأنّ الموت بالسلاح الكيميائي مختلف عن الموت بالقصف الجوي التقليدي.
هذا الصمت العميق، يطرح ألف سؤال وسؤال. الذين خاضوا أو تابعوا حروب لبنان يتساءلون بعد معركة القصير: وماذا بعد؟ كما تساءلوا في عزّ الحرب الأهلية ماذا بعد سقوط تل الزعتر؟ في تلك الفترة دفعت الدامور وأهلها الثمن غالياً، ضمن ترتيبات جرى خلالها رسم خطوط تماس بقيت ثابتة طوال 17 سنة، حتى جاء الطائف وألغاها رسمياً ولم يلغها حتى الآن من الذاكرة الشعبية ومن طبيعة العلاقات الإنسانية بين اللبنانيين.
السؤال الحقيقي الذي يطرحه هذا الصمت العربي الاقليمي - الدولي هل يجري رسم خطوط تماس ثابتة في سوريا تمهيداً لانعقاد جنيف-2؟ ومَن سيدفع ثمن القصير إن سقطت؟ هل تكون بلدة الفوعة الشيعية في ريف أدلب كما يقال؟ أم أنّ المسألة أكبر من خطوط تماس داخل سوريا لأنّها جزء من رسم خرائط جديدة للمنطقة، لا يعرف أحد من المقاتلين عنها شيئاً، لأنّها من أسرار المطابخ الدولية الكبرى. في مثل هذه الحالة فإنّ العرب وإيران وتركيا وحتى إسرائيل، مهما كان دورهم مهمّاً وحساساً فإنّهم لن يعرفوا إلا أجزاء محدودة من الصورة الأخيرة لهذه العملية.
يبقى أنّ التاريخ سيذكر بشار الأسد بكثير من علامات الاستفهام، التي تشبه الأسئلة العديدة التي ما زالت حتى الآن تشكل لغزاً لم يُحلّ وهو: هل نيرون أحرق روما فقط ليكتب قصيدته أم أنّ للجريمة أسباباً وأهدافاً أخرى غير معروفة؟
ينقل عن أسدي صديق للاسد، أنّ الأخير أدرك فور وفاة بوعزيزي في تونس، أنّ طبخة جديدة قد بدأت ولذلك استعد لها، فضاعف رواتب الموظفين في سوريا وزاد من دعم مئات من السلع الاستهلاكية. لكن الاسد اكتفى بهذا القدر من الجزرة، إذ عمد بعدها إلى استخدام العصا الغليظة في درعا ضد أطفالها بواسطة ابن خالته (لا تعود جريمة ابن خالة الاسد منقطعة عن السياق السياسي والأمني الكامل للأسد)، لتبدأ بعدها الثورة السلمية وتستمر رغم القتل في الشوارع ستة أشهر كاملة، حتى بدأت تتعسكر.
استعدادات الأسد لمواجهة الثورة، اكتملت بالقفز نهائياً في أحضان إيران وروسيا. نقطة واحدة ستبقى مجهولة في حسابات الاسد وهي: أين هو الخط الفاصل بين المصالح الروسية والإيرانية، وإلتزامهما بالأسد؟
عندما سيعرف الأسد أين يبدأ وأين ينتهي هذا الخط، تكون ساعته قد حانت.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.