8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

صاروخان أيقظا كوابيس الحرب الأهلية

دعوة السيد حسن نصر الله الفرقاء اللبنانيين بمن فيهم هو وحزبه، الى المبارزة والقتال في سوريا، إسقاط علني لسوريا الدولة. مرة أخرى يكون المسار بين لبنان وسوريا واحداً وموحداً، الدولة اللبنانية سارت على طريق الجلجلة هذا. فارق بسيط أن الدولة السورية سقطت بالضربة القاضية في اللحظة التي اختار فيها بشار الأسد وحلفاؤه السلطة على الوطن، في لبنان، تسقط الدولة فيه يومياً بالنقاط.
اللبنانيون منقسمون أصلاً. والحرب في سوريا، عمّقت انقساماتهم. ليس سراً أن مجموعات سنية سلفية توجهت للقتال في سوريا، الى جانب الثورة والثوار، يوم لم يكن لـ النصرة وجود فاعل سوى اسمها. أما انخراط حزب الله بالحرب في سوريا، فإنه مختلف جداً، مما سينتج عنه مفاعيل وآثار كثيرة منها من الصعب تقديرها الى حين وضوح التركيبة النهائية للنظام القادم في سوريا. حتى ذلك الحين، فإنه يمكن تقدير ما نتج وبعض ما سينتج من التطورات في سوريا ومن بعض ما يتسرب من المطابخ الدولية والاقليمية، ومن خطاب السيد حسن نصر الله نفسه، وذلك من دون أولويات.
[الأمر لي في الحرب والسلم. هذا ما حصل منذ اللحظة التي أعلن فيها السيد نصر الله انخراط الحزب بالقتال في سوريا. الدولة أصبحت جزءاً من منظومة الحزب، لتخدمه فيقبل بها، بدلاً من الشراكة الكاملة مع الآخرين.
[ إن حزب الله الذي ولد ونشأ وكبر من أجل تحرير الأرض المحتلة في لبنان، أعلن الحرب رسمياً على أكثر من نصف الشعب السوري. لم يعد باستطاعة الحزب الانسحاب من الحرب في سوريا، لأنه اذا انسحب خسر، واذا استمر فهو خاسر أيضاً، وخسارته ستكون على المدى الطويل كارثية. النظام الأسدي لن يبقى، وأي نظام سيأتي من جنيف-2 أو -3 غير ذلك سيكون أسير الذاكرة الشعبية للجزء الكبير من السوريين الذين لن ينسوا معركة القصير كما لم ينسوا للنظام الأسدي تدمير حماة. أسوأ كوابيس الذاكرة الشعبية ما تلوّن بلون الدم الأحمر القاني. المأساة أن الطائفة الشيعية في لبنان خصوصاً التي يعيش الجزء الكبير منها في البقاع الشمالي، ستدفع ثمن هذا الانخراط سورياً وعربياً وسنّياً بعد أن تمّ إيقاظ غول الأساطير المذهبية.
لقد بدا مؤلماً، في ذكرى التحرير، أن يكون الكلام الكبير في خطاب السيد حسن نصر الله خارجاً من مجريات معركة القصير، وليس من مستقبل تحرير مزارع شبعا. السيد حسن نصر الله، انطلق الى البوسنة لتبرير حربه في سوريا مع السنة. مهما قيل إن الحرب سياسية وإنها بين معسكرين مع المقاومة والتحرير وضدهما، فإن الحرب تحولت الى مذهبية. للأسف يكفي سماع الخُطب الأخرى من الناطقين باسم الجيش السوري الحر وغيرهم لتقدير الأخطار والمخاطر التي نواجهها. لقد جرى تناسي كتائب الأسد، ويتم التركيز اليوم على أنّ المواجهات هي فقط مع قوّات حزب الله الغازية. ولذلك فإنّ ما يُقال دعماً لصمود القصير والمقاتلين فيها تحوّل إلى شعار مؤلم: هل اعتقدتم بأنّ السوريين لن يقاتلوا دفاعاً عن القصير بشجاعة أقل من شجاعة المقاتلين الذين قاتلوا دفاعاً عن مارون الراس؟
[ إنّ اختصار الثورة والثوار في سوريا بـالنصرة والتكفيريين هو إهدار صريح ومؤذٍ ومؤلم لتضحيات الشعب السوري. إنّ سقوط 90 ألف قتيل حتى الآن على يد النظام الأسدي ثابت ولا يمكن دحضه، فهل كل هؤلاء من النصرة؟ حتى الآن وباعتراف مختلف المصادر فإنّ نسبة التكفيريين والنصرة لا يتجاوز 15 في المئة من عدد المقاتلين، وإذا كان حضورهم بارزاً، فإنّ بعضه يعود إلى حجب السلاح والمال عن الثوار وتضخيم النظام الأسدي وبعض أجهزة الإعلام هذا الحضور لإعطاء الرئيس الأميركي باراك أوباما والأوروبيين العذر لعدم دعم الثورة والضغط على العرب والأتراك وغيرهم لإعطاء السلاح والمال بالقطارة.
[ إن القول بوجود جبهتين تتواجهان في سوريا، الأولى: من قوى الممانعة والمقاومة مشكّلة من النظام الأسدي وإيران وحزب الله وروسيا والثانية من الغرب والتكفيريين وبعض الدول العربية، يعني أنّ حزب الله أصبح شريكاً في الربح والخسارة، علماً أنّه لن يكون في أي لحظة شريكاً في المفاوضات التي ستجرى. ولذلك فإنّه سيضطر لقبول ما يُفرض عليه ولن تنفعه ممانعته، وليس أسوأ من أن يكون الذي يدفع ضريبة الدم، منفذاً لما يرسم وليس شريكاً في ما يقرّر.
[ إنّ الخطر الأكبر هو في تمدّد الحرب في سوريا إلى لبنان بعد أن حوّل نوري المالكي دولة العراق جزءاً من منظومة الدفاع عن النظام الأسدي، حافراً بذلك خندق الحرب المذهبية لأنّ الخطاب الشعبي السوري وتحديداً السنّي منه (مهما كان ذلك حاداً ومزعجاً ومؤلماً) هو أنّ المالكي جيّر العراق الشيعي لمصلحة الأسد العلوي وإيران الشيعية.
[ إنّ الصاروخين اللذين أصابا الضاحية، أيقظا كوابيس الحرب الأهلية لدى كل اللبنانيين، لكن أيضاً وباختصار شديد، أثبتا أن ظهر حزب الله مكشوف أمنياً، وأنّ خطر حصول تفجيرات أكبر أو أصغر داخل الضاحية الجنوبية وفي الجنوب كبير جداً لأنّ لدى التكفيريين قوافل من الانتحاريين عدا قوى أخرى لها مصالح وأهداف في ضرب حزب الله وقاعدته. لذلك كله فإنّ رمال سوريا المتحرّكة ستجد في مخاطر نشوب الحرب الأهلية في لبنان، وإمكانية فتح ثغرات في جدار الهدوء الأسدي في الجولان وحتى في جنوب لبنان كلها أعباء تنوء بها دول فكيف بـحزب الله الذي تبقى قدراته البشرية محدودة؟
يبقى السؤال الكبير هو: ماذا بعد القصير؟
حتى ولو أصبحت قصير لينينغراد، فإنّ سقوطها لن ينهي الثورة في سوريا، وبالتالي لن ينتصر حزب الله وإيران. معركة القصير أيقظت كثيرين، والأخطر أنّه إذا ما ضُمَّ حزب الله إلى لائحة الإرهاب فإنّ مثل هذا القرار لن يكون حبراً على ورق، وإنّما قرارات مفتوحة منها ميدانياً. عندما يقول وزير خارجية هولندا: إنّ تعديل الحظر على السلاح سيرسل رسالة واضحة إلى الأسد، وعندما تكشف صحيفة اللوموند بالوقائع استخدام الأسد للسلاح الكيميائي، وعندما يكون التحضير لجنيف-2 مفاوضات بالنار، فمعنى ذلك أنّ القادم أخطر وأنّ الحرب القصيرة والضربة القاضية في القصير التي خطط لها النظام الأسدي وإيران ومعهما السيد حسن نصر الله تتحوّل تدريجاً إلى حرب استنزاف بشرية وسياسية وأيديولوجية.
من الظلم الكبير للشيعة في لبنان أن يتحوّلوا من مقاومة ضدّ المحتل الإسرائيلي إلى أصوليين يقاتلون تكفيريين في سوريا، وهم واقعياً يقفون مع الظالم ضد المظلوم.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00