الثورة في سوريا، لم تبدأ في القصير ولن تنتهي في القصير. بدأت الثورة سلمية ومدنية في درعا، طلباً للكرامة والحرّية، وكان الردّ عليها بالرصاص. النظام الأسدي اجتهد على عسكرة الثورة، معتمداً سياسة القتل والخطف والاعتقالات بالآلاف، فتعسكرت. تطوّرت الخبرة الأسدية بالإرهاب المعمّدة في العراق إلى تسليم القوائم للاستخبارات الأجنبية، ليقايض بها مواقف وخدمات كما حصل مع صديقه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. تضخم عدد وحجم التكفيريين وفي مقدمهم النصرة وشيطنة دورهم، سياسة أسدية لقطع الجسور بين الثورة والثوّار مع العالم الخارجي. نجح النظام الأسدي في هذه المهمّة، لأنّ سياسته تقاطعت مع السياسة الأوبامية في عدم الانخراط في الأزمة السورية وتحمّل تبعاتها كما حصل في العراق.
سوريا تحوّلت إلى ساحة قتال مفتوحة دون حسابات لعدد الضحايا. أبرز القوى الدولية والاقليمية المنخرطة في الحرب في سوريا، تقاتل من أجل مصالحها وضمناً نقل مشاكلها الداخلية لتسوية حساباتها معها في سوريا. من ذلك أنّ:
[ روسيا، إلى جانب خوضها مواجهة شاملة للمحافظة على دور ناٍم وصاعد لها في المنطقة وحتى العالم، نقلت مواجهتها مع الشيشانيين وغيرهم من الإسلاميين إلى سوريا، بعد أن تحوّلت إلى اسفنجة تمتص كل الفئات من الأصوليين والتكفيريين والسلفيين السنّة، ما يساهم في دعم سياسة الاسفنجة، ترويج ما هو حاصل بأنّ سوريا تتعرّض لغزو شيعي إيراني.
[ الإدارة الأوبامية التي تتابع الحرب ضدّ الإرهاب وجدت في سوريا فرصة لم تحصل عليها أي إدارة سابقة، وهي تحقيق مكاسب استراتيجية دون كلفة مالية وبشرية. واشنطن تراقب حالياً بفرح وغبطة قتال عدوَّيها: النصرة وحزب الله. كل قتيل يسقط منهما في سوريا يضيف إلى رصيدها المزيد من الأرباح ويعوّضها عن خسائرها في افغانستان والعراق معاً، ويساهم في ليّ ذراع إيران أمامها.
[ إسرائيل، هي الرابح الأكبر. سقط العراق من قبل، والآن سوريا العدو الأساسي بسبب الحدود المشتركة، والأهم أنّ حزب الله عدوّها الاستراتيجي غرق في المستنقع السوري، وهو يخسر يومياً المزيد من المقاتلين، والمزيد من الدعم الشعبي العربي والإسلامي، إلى درجة حصول طلاق حقيقي معه لا يمكن ردّ قضاءه وقدره.
[ إيران، تقاتل في سوريا وكأنّها تقاتل في المربّع الأخير. خسارة إيران المعركة في سوريا، تنتج خسارتها للحرب وبالتالي الرضوخ لمعادلة جديدة تقوم على انحسار وجودها وحضورها ونفوذها على طول ما تطلق عليه الحزام الأخضر. في أقصى الحالات سيبقى لها نفوذ ما في الاقليم الشيعي في العراق. ولا شك أنّه متى قوِيَ عود العراقيين فإنّ الشعور العراقي المعادي ضمناً للنفوذ الإيراني سوف يتيح انحساراً في هذا النفوذ. اليوم تقاتل إيران دون حساب للكلفة المادية والبشرية، في وقت تعاني البلاد من أزمة اقتصادية ومالية خانقة، تقدم علناً للنظام الأسدي تقديمات مالية بقيمة سبعة مليارات دولار، أما الدعم السرّي فلا شك أنّه ضخم جداً، هذا إلى جانب الدعم العسكري بالخبراء وربما بالضباط المؤطرين لآلاف الشيعة العراقيين.
أما أخطر ما في الكلفة التي تدفعها إيران في سوريا، فهو دفع حزب الله للانخراط في الحرب إلى جانب الظالم وهو النظام الأسدي ضدّ المظلوم وهو الشعب السوري. تستطيع إيران ومعها حزب الله الذي وُلد على يد علي أكبر محتشمي الذي كان سفيراً في دمشق آنذاك وهو اليوم في شبه إقامة جبرية منذ العام 2009، أن يقولا إنّهما يدافعان عن المقاومة ويحميان ظهرها من الهجوم عليها بهجوم استباقي ضدّ التكفيريين. كل ذلك مع الاستعانة بكل القاموس المذهبي المليء بالقصص الدامية والمرتكزة على امتدادات تاريخية تقوم على وصف الشيعة بـالرافضة. لكن هذا لا يكفي لتشريع الانخراط الكامل لما كان حزب المقاومة فأصبح حزباً غازياً لأراضي دولة تبقى شقيقة وشعبها أكثر من شقيق.
القول بأنّ حزب الله يواجه اليوم في القصير التكفيريين وليس الثورة التي يقاتل أبناؤها من أجل الحرّية والكرامة. الأسوأ من ذلك أنّ اختصار الانخراط في الحرب ضدّ التكفيريين، يعني باختصار تجييرها لحرب بين الأصولية الشيعية واولئك، فتصبح بذلك ما تريده أميركا وتحلم به إسرائيل الحرب بين الكفن والكفن، والتي تكفي شرارة صغيرة لتنقل الحرب من سوريا إلى الخارج وتحديداً إلى لبنان، وتحويلها حرباً سنّية شيعية تستحضر كل التاريخ والأساطير والروايات الشعبية الدامية والمؤلمة لتُحرق الأخضر واليابس.
مشكلة حزب الله ومن خلفه إيران التي تبقى دولة اقليمية كبيرة تستطيع أن تناور وتفاوض وتتقدّم وتنسحب وتكسب وتخسر أنّ الحزب ليس له حتى حق الاعتراض بعد التنفيذ، لأنّه قام بما قام به نتيجة لما يقوله إنّه تكليف شرعي من الولي الفقيه، علماً أنّ الولي الفقيه لديه مسؤولية قيادة إيران ذات المصالح الاستراتيجية والعليا التي تتجاوز حتى حزب الله في لحظة معينة، لذلك فإنّ الحزب خاسر في جميع الحالات.
أمّا المأساة الكبرى، فهي سقوط هذا العدد الكبير من مقاتلي حزب الله في معركة ليست معركتهم أصلاً لأنّهم انضموا وتدرّبوا وقاتلوا ليحرّروا الجنوب وليس للقتال في القصير، التي إن صمدت أو سقطت فلن يغيّر مصيرها الكثير من المعادلات المرسومة للحل في سوريا والمنطقة.
اليوم، المقاتلون من حزب الله وأهاليهم مأخوذون بالحرب ومآسيها. غداً سيكتشفون أنهم لم يكونوا أكثر من لحم مدافع في حرب أكبر منهم ومن الحزب.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.