8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

السفارة و حزب الله والشيعة

لا إيران ولا حزب الله، بحاجة لهذه القوّة ضدّ حفنة من المتظاهرين المدنيين المسالمين، لإثبات قوّتهما وتصميمهما على ضرب خصومهما. الجميع يعرف قوّة الحضور الإيراني في لبنان وسوريا والعراق. اللبنانيون يعرفون أكثر من غيرهم قدرات حزب الله التي تفوق قدرات دولتهم بدرجات. حرب 2006 أثبتت ذلك. و7 أيار أكدته مئة في المئة. وبينهما إقفال وسط بيروت، الذي فتح مدرسة للجميع لخوض هذه التجربة القاتلة دون نتائج تُذكر. السؤال اذاً لماذا استقدمت السفارة الإيرانية أو لماذا جاء حزب الله بقمصانه السود إلى محيط السفارة وملاحقة عشرات المتظاهرين الذين يعرفون أنهم إذا رشقوا السفارة بالبندورة كما رشق المتظاهرون في ساحة النجمة سيارات النواب، فلن يخرجوا أحياء!.
ما يعزّز هذا الاستغراب وما يجعل ممّا حصل الذي أنتج قتيلاً (لماذا ليس شهيداً؟) مفاجأة كبيرة تدفع إلى قراءة جملة الرسائل التي وُجهت بعد أن كتبت بدماء هاشم سلمان والجرحى العديدين. إنّ الديبلوماسيين الإيرانيين قبل غيرهم وقيادة حزب الله تابعوا خلال السنوات القليلة الماضية كيف حوصرت السفارة الاميركية في عوكر مرّات عدّة وكيف خيّم أنصار جورج عبدالله أمام السفارة الفرنسية، وكيف جرى اقتحام المكتب الإعلامي التركي، ولم تقع ضربة كف واحدة بحق المتظاهرين والمقتحمين الذين يضمّون جميع أطياف الممانعة والمقاومة بما فيها حزب الله. فلماذا هذا العنف غير المسبوق والمبرمج، علماً أنّه حتى لو كان بين المتظاهرين مجنون واحد يفكر في رشق السفارة بحبة بندورة وليس حجراً سيدفع الثمن غالياً؟.
السلطات الإيرانية في طهران، وضعت المتظاهرين في قفص التكفيريين، واستراحت لأنّ أي عنف ضدّهم مشروع، فالكفن لا يواجَه إلاّ بالكفن. بعد ذلك ساد صمت عجيب، يجب الآن انتظار معجزة قضائية لوضع النقاط على الحروف، لتحديد هوية المهاجمين، علماً أنّ وجوههم مكشوفة، إضافة إلى هوية القاتل الذي بعد أن أطلق النار على سلمان فعل ما يفعله أي تكفيري في ضرب الضحية رغم أنّه مدني ومسالم.
لا شك أنّ حزب الله بعد القصير هو غيره قبل القصير. الحزب كما يبدو من كل القراءات حتى الحيادية منها، منخرط في مشروع بالكاد تقوم بحمله وتنفيذه دول لها كياناتها ومؤسساتها وعلاقاتها الدولية. هجومه الوقائي كما يقول أركان الحزب لحماية ظهر المقاومة، أصبح برأي مؤدلجين لكل الكوارث التي ضربت الوطن العربي، تغييراً للجغرافيا وتمدّداً للدور. ما قيل عن تفتيت المنطقة وإنشاء دويلات طائفية تكون إسرائيل أقواها، وذلك بعد كسر وإلغاء حدود سايكس- بيكو يجري استباقه في هذا التغيير المشرقي بحيث تقوم جبهة مقاومة تمتد من العراق إلى سوريا عند حدودها التركية. وفي كل ذلك يكون حزب الله الرافعة في هذه العملية.
حتى لو كانت إيران هي المايسترو والقوّة التي تموّل وتحمي، فإنّ هذا الدور أكبر من حزب الله ومن الشيعة اللبنانيين. لقد ارتكب الشيعة خطيئة سابقة في الوقوف بوجه صلاح الدين الأيوبي، فكان أن حرّر القدس وأعمل سيفه فيهم والباقي معروف. لا يمكن لطائفة تُعد بعشرات الملايين مواجهة أكثر من مليار نسمة حتى لو كان هؤلاء اليوم بلا مشروع ولا قيادة، فإن الادوار تتغيّر والمصائر تتبدّل.
حزب الله، يعرف الآن أنّه دخل بإرادته وبتكليف من الولي الفقيه في المستنقع السوري الطائفي والمذهبي، وهو لن يستطيع أو لا يريد الانسحاب من سوريا خصوصاً وأنّه يتم تشريع تدخّله بإلباسه دور الرافعة. لذلك ما بعد القصير سيكون أكثر إيلاماً، لأنّ الجرح سيكبر ويتعمّق.عندما يقول ميشال كيلو، والألم يعتصره، وهو الذي كانت تربطه علاقة بالسيد حسن نصرالله: لماذا دخل حزب الله في صراع سنّي شيعي لن يمكن الخروج منه. غداً عندما تعود إسرائيل إلى جنوب لبنان ويلجأ شيعي إلى سوريا سيذبح على الحدود ولن يُسمح له بالدخول. هذا الكلام القاسي والجارح الذي لم يكن يجب أن يصدر عن ميشال كيلو تحديداً حتى لو كان واقعاً، يثبت حجم المأساة القادمة.
هجوم القمصان السود على متظاهرين شيعة عُزّل هو محاولة دامية لوقف انحدار كرة الثلج التي وصلت إلى اقلية معترضة من الشيعة أثناء معركة القصير. لكن من المؤكد أنّ الشريحة المهمة التي قبلت بمبدأ المشاركة كعملية دفاع وقائية ودفاعاً عن مقام السيدة زينب لن تقبل بانغماس الحزب في معارك النبك وحمص وحلب ودرعا وغيرها. لا يستطيع الحزب تشريع هذه المشاركة لأنّه يفعل ذلك دفاعاً عن نظام ظالم ضدّ شعب مظلوم أغلبيته من السنّة. لذلك فإنّ نقطة الزيت المعارضة لتدخله لا بد لها من أن تنتشر على النسيج الشيعي فتقع عندها الكارثة في انقسام الطائفة التي كانت تقف معه لأنه مقاومة تحرّر الجنوب، وليس كما الآن قوّة غازية لأرض شقيقة ضدّ شعب مظلوم تنفيذاً لفتوى من الولي الفقيه الذي لديه مصالح قومية أكبر بكثير من حياة بضع مئات من المقاتلين الشيعة.
إخافة الشيعة من عصا الحزب، اصبحت عملية ميدانية لا لبس فيها. يستطيع الآخرون أن يعترضوا وأن يشتموا وأن يهددوه بالويلات، لكن غير المسموح لأي شيعي أن يعترض، مطلوب أن يبقى الشيعة طائفة مكعبة لا تُخرق.
عندما يكون القرار هو الرضوخ أو العصا، فإنّ القادم أعظم.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00