8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

شجرة الانتخابات الرئاسية و غابة خلافة المرشد

الانتخابات الرئاسية في إيران، حدث لبناني وعربي ودولي، بقدر ما هي حدث إيراني. إيران اليوم في قلب كل التطوّرات والتحوّلات والأحداث التي تجتاح المنطقة. حيث هي قادرة على فرض إرادتها بالتكليف الشرعي أو بالسياسة والمال لا تتأخّر وتعمل بصبر وتواصل حتى تحقق ما تريد، وحيث لا يمكنها ذلك، تعمل على منع الحل لتصبح جزءاً من الحل. لذلك الحدث الإيراني حدث يهمّ المنطقة ويهمّ العالم لأنّ له مشكلة معها هي الملف النووي والمقاطعة الاقتصادية.
ليس صحيحاً أنّ هذه الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة غير مهمّة ولا جدوى منها، لأنّ المرشد آية الله علي خامنئي يقرّر والآخرون ينفذون وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية القديم والذي سينتخب من المرشحين الستة. أهمية هذه الانتخابات إنها حسّاسة وتأتي في توقيت دقيق ومفصلي. لم تعد إيران قادرة على محاربة الوقت بالوقت، حان وقت الخيارات الصعبة التي عليها سيُبنى الأمر على مقتضاه.
ليس اللون الذي اختاره كل من المرشحين الستة يرمز إلى لونه السياسي. واقعياً كل مرشح هو مثل الحلوى الفرنسية ألف ورقة, كل ورقة تخبئ توجّهاً يجب أن يقع حدثاً مهماً حتى ينكشف. هذا أيضاً جزء من الشخصية الإيرانية التي بنت نفسها على تقنية حياكة السجاد. القطبة الأخيرة تبقى سراً لا يعرفه إلا الذي رسمها بعيداً عن أدوار أفراد عائلته الذين عملوا فيها لأشهر وأحياناً السنوات.
حتى لا يضيع الأصل في التفاصيل، فإنّ المرشحين هم مجموعة الخمسة ضد واحد. الخمسة محافظون ضد الوسطي حسن روحاني. المرشحان محسن رضائي ومحمد غرضي، يتابعان المعركة لتسجيل موقف. المهم الفيلة الأربعة الذين منهم سيكون الرئيس المقبل وهم: محمد قاليباف. سعيد جليلي. علي ولايتي وحسن روحاني. كل واحد من هؤلاء يؤشّر إلى حالة معينة.
بداية, فإنّ المرشد آية الله علي خامنئي عمل على التخلص من شريكه هاشمي رفسنجاني، ومن رحيم مشائي بديل خصمه أحمدي نجاد، فوقع في مواجهة خطرين على المدى المتوسط، علماً أنّ كل ما يبدو حتى الآن أنّ الولي الفقيه هو الذي يمسك بكل شيء. والواقع أنّ شجرة الانتخابات الرئاسية تخبئ غابة خلافة خامنئي ومعها النهج السياسي وحتى الفكري الذي ستسير عليه إيران بعد 34 سنة على الثورة ودولتها.
السؤال الذي كان يطرح داخل الغرف المغلقة أصبح الآن علنياً. ماذا بعد خامنئي؟ في العام المقبل يحتفل خامنئي بمرور 25 سنة على تسلمه الولاية المطلقة، وهي ولاية شرعية وسياسية لم يحز عليها أي زعيم في العالم، لذلك فإنّ السؤال هو: هل يجب المحافظة على ولاية الفقيه نظاماً للجمهورية؟ وهل يمكن أن تبقى مطلقة؟ وماذا لو وضعت في صيغة أكثر ديموقراطية وعملانية وذلك في مجلس شورى الفقهاء، وهو اجتهاد له مراجعه ودراساته. محمد خاتمي تجرّأ على طرح هذا الحل في لقاءاته الأخيرة مع مناصريه قبل تمنّعه عن الترشح لأنّه فهم أن مكانه سيكون إلى جانب مير حسين موسوي ومهدي كروبي في الإقامة الجبرية. الصراع قوي، من أبرز مظاهره الكلام المتزايد عن انتهاء عصر الإقطاعية الدينية أي المراجع الكبار في حوزة قم الذين يعارضون خامنئي، وبارونات البازار الذين رفضوا دعمه علناً في الفترة الأخيرة. أيضاً السؤال الكبير ماذا عن الحرس الثوري في النظام بعد أن قضم وهضم مراكز القرار في القطاع الاقتصادي وفي السلطتين التنفيذية (الأغلبية المطلقة من الوزراء من ضباط الحرس وآخرهم كان وزير النفط) والتشريعية (كتلة الصخرة هي الأكبر والأقوى في مجلس الشورى)؟
كل واحد من المرشحين الأربعة، له موقع في هذه المسيرة. محمد قاليباف جنرال مقاتل وصلب قبل أن يكون رئيس بلدية طهران الناجح، وهو متحالف مع الجنرال قاسم سليماني (صانع الملوك) الذي قاتل تحت إمرته في فيلق نصر الخراساني. هذا التحالف حتى ولو كان يعمل تحت عمامة المرشد بكل الواجبات واللياقات المعروفة، فإنّه يمثّل القبضة الحديد لـالحرس. لذلك فإنّ قاليباف إذا انتُخب سيطيع المرشد خصوصاً وأنّه من رأيه داخلياً وخارجياً، لكنه سيعمل لمرحلة ما بعد خامنئي. السؤال هل يسقِط الحرس العمامة لينفرد بالسلطة أم أنّه سيبقي عليها رمزاً كما كانت دائماً في إيران لزواج شرعي مع السلطة الحاكمة؟
سعيد جليلي، الموظف النشيط، سيكون أيضاً إذا انتُخب رئيساً مطيعاً للمرشد. لكن يجب ألا يغيب لحظة عن الأنظار أنّه إذا فاز فإنّ فوزه سيكون بأصوات النجاديين، لأنّه أيضاً تلميذ مطيع لآية الله مصباح يزدي المتشدّد إلى درجة أنّه يطلق عليه الطالباني لأنّه يريد إقامة الولاية بانتظار عودة الإمام المهدي, حتى ولو تظاهر مؤخراً بالتزام الطاعة للمرشد إلى درجة تقبيل قدمه ليرضى عنه ويصالحه.
علي ولايتي وحده الطبيب الذي يعمل على مداواة جراح المرشد من تعب ربع قرن في السلطة. وهو قادر على متابعة دوره تحت عباءة خامنئي من دون تردّد خصوصاً في ما يتعلق بالحوار السرّي مع الولايات المتحدة الأميركية. لكن انتخاب ولايتي سيكشف نهائياً خامنئي، فيتحمّل بذلك كامل المسؤولية عن الأزمات التي تعاني منها إيران خصوصاً الاقتصادية، وعن فشل أي حل من الحلول التي سيتبنّاها. إلى جانب ذلك فإنّ ولايتي طبيب يريد مداواة المرشد والنظام، وهو عليل. كل ما يمكن أن يعمله هو تمرير مرحلة انتقالية يطبخ خلالها المرشد صيغة المرحلة المقبلة.
يبقى حسن روحاني الوسطي الذي أصبح مرشح الإصلاحيين والمحافظين المعتدلين، فوزه يساوي قلب الطاولة. ليس صحيحاً أنّه سيكون خاتمي ثانياً أمام خامنئي المرشد المطلق الولاية. تغيّر الوضع وتغيّرت شروط اللعبة. فوز روحاني يعني أيضاً عودة رفسنجاني إلى الواجهة الأمامية وهو يحمل مشروعاً نقيضاً لكل ما يطرحه خامنئي. أي محاولة لإسقاط روحاني إذا فاز ستنتج يأس الإصلاحيين من إصلاح النظام من الداخل، وهذا مأزق كبير للمرشد ولكل المحافظين المتشدّدين.
إيران تنتظر مَن سيفوز من هؤلاء ولا شك أنّ العالم كله يريد أن يعرف النتيجة حتى يعرف أي سياسة ستكون وأي سياسة ستكون له مع إيران.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00