الشعب الإيراني يريد التغيير، لذلك اقترع لمرشح التغيير حسن روحاني. التسونامي الشعبي الذي فاجأ العالم، لم يكن مصطنعاً ولا مفبركاً ولا موجهاً بتكليف شرعي أو توجيهات أمنية. التسونامي، حصل لأنه في 72 ساعة الأخيرة من الحملة الانتخابية تشكّلت جبهة عريضة سياسية وشعبية التفّت حول المرشح الوسطي حسن روحاني. ارتكب المرشد آية الله علي خامنئي أخطاء قاتلة في إدارته للانتخابات من غير المعقول ولا المقبول، أن يقال إن المرشد خطط ونفذ سيناريو فوز روحاني، فأبقى على المرشحين الخمسة من المحافظين المتشددين، وأن المرشد أراد في اللحظة الأخيرة أن تقع الدورة الثانية ليمسك بقرار الفائز ويرتاح أربع سنوات من المماحكات التي عاشها مع أحمدي نجاد. هذا السيناريو الذي يجعل المرشد أدهى دهاة السياسة ليس له رأس، لأن من يسقط ترشيح هاشمي رفسنجاني، لا يترك فرصة له ليدخل من النافذة.
هاشمي رفسنجاني ومعه محمد خاتمي مهندسا هذا الانتصار. لن ينسى رفسنجاني لمن كان شريكه الطعنة التي وجهها له أمام العالم كله. عرف ثعلب السياسة الإيرانية، كيف يشكل جبهة عريضة حول روحاني الذي لم يستفز ترشيحه أي مركز من مراكز القرار وعلى رأسهم خامنئي. الجبهة ضمت: المحافظين المعتدلين (روحانيات مبارز) والبنائين (كوادر البناء الذي أسسه رفسنجاني) والإصلاحيين المعتدلين وحتى الموسويين والكروبيين من الإصلاحيين الراديكاليين بعد أن التزم علناً بالعمل على إطلاق سراح مير حسين موسوي ومهدي كروبي، ومراجع كبار من قم وبيت الخميني ممثلاً بابنة الخميني وحفيده السيد حسن. والأبرز أيضاً كل الشرائح الاجتماعية الواسعة المتضررة من التدهور الاقتصادي الكارثي، وأخيراً الذين تعبوا من سلطة المحافظين المتشددين، الخانقة من السياسة الى الإعلام من الرغيف الى الحرية.
الآن وقد فاز حسن روحاني، ارتفع منسوب التشكيك من حصول تغيير حقيقي وعميق وشفاف، لأن المرشد يحكم والرئيس ينفذ. الرئيس محمد خاتمي رغم ألمعيته واعتداله لم ينجح في تمرير قرار تغييري. وأحمدي نجاد رغم كل مشاغباته وتهديداته بتفجير الوضع سحبت منه الملفات الأساسية وأصبح في وضع لا يحسد عليه حيث كل يوم يهدده مستشار أو نائب بمصير مشابه لمصير أول رئيس للجمهورية أبو الحسن بني صدر.
في الواقع، الرئيس حسن روحاني، قادر على إحداث التغيير، وهو سيقوم به خطوة خطوة، من دون الوقوع في شراك التصادم مع المرشد أو الحرس الثوري أو الاثنين معاً لأن:
[ روحاني رجل دولة بامتياز، تدرج وصعد كل مراتب المؤسسات التشريعية والتنفيذية والعسكرية والأمنية. وهو عمل طويلاً مع خامنئي وبذلك يعرف بدقة أسلوب عمله ونهجه.
[ إن خاتمي المثقف لم يكن رجل مواجهة. خصوصاً وأن خامنئي كان في قمة صعوده في القيادة. كلمته لا تكون إلا كلمة واحدة تنفذ بدعم كامل من القوى السياسية ومن الحرس الثوري الذي كان يريد قضم السلطة وهضمها تدريجياً، لذلك فإن طاعة المرشد كانت مطلقة.
[ إن إيران اليوم تمر في أعمق أزمة اقتصادية أرقامها معروفة من الجميع. خلاصتها أن البطالة تزيد على 30 بالمئة، وأن العملة انهارت بحيث إن الدولار يساوي 36 الف ريال، وإن البلاد خسرت أكثر من نصف عائداتها من النفظ.
العقدة في هذه الأزمة أنها متداخلة مع السياسة الخارجية للبلاد، وتحديداً المواجهة الدائمة مع الولايات المتحدة الأميركية. ما لم تحل إيران مشاكلها مع الغرب وتحديداً مع واشنطن لا حل للأزمة الاقتصادية.
[توجد قناعة كاملة لدى الإيرانيين أبرزتها المناظرات التلفزيونية بين المرشحين، أن الاعتدال هو الطريق الجديد للحل. ترجمة هذا تكون في مفاوضات مباشرة فوق الطاولة وليس أمنية وسرية تحت الطاولة. عندما تكون المفاوضات هي الطريق الوحيد يعني أن على الطرف الأضعف تقديم تنازلات حقيقية للحصول على بعض مطالبه الكثيرة.
الرئيس حسن روحاني رجل التغيير وليس الانقلاب. مؤتمره الصحافي الأول أكد ذلك وهو شدّد على ثوابت أساسية هي:
[الرغبة بالتوصل الى تفاهم جديد مع الغرب يتم التوصل إليه من خلال مزيد من الشفافية والثقة المتبادلة.
[اتباع مسار إنقاذ لاقتصاد البلاد. مجرد استخدامه كلمة إنقاذ يوضح حجم الكارثة التي تهدد السفينة الإيرانية بالغرق.
[الانفتاح على الجوار خصوصاً مع السعودية البلد الشقيق والمجاور.
[بقاء الأسد وحكومته حتى انتهاء ولايته. روحاني لا يستطيع في وقت انخرطت فيه إيران بشكل كامل في سوريا الى درجة التضحية باستقلالية حزب الله وتعريضه للغرق في المستنقع السوري، أن يقول أكثر من ذلك. على روحاني التفاهم مع المرشد وأيضاً مع الحرس خصوصاً الجنرال قاسم سليماني الذي أصبح دوره في سوريا فيه الكثير من المسؤولية الشخصية التي عليه دفع كلفة فشله عالياً. في وقت يشهد فيه الملعب السوري عمليات لتغيير موازين القوى قبل المفاوضات لا يمكن تقديم تنازلات انقلابية تضعف إيران وتلغي موقعها في أي مفاوضات دولية حول سوريا.
يستطيع أن ينجح روحاني، لأن خامنئي مضطر للوقوف الى جانبه ودعمه، حتى تنجو السفينة الإيرانية من الغرق وتكون مسؤوليته تاريخية.
أيضاً وهو مهم جداً أن الإيرانيين تعبوا من الولاية المطلقة للولي الفقيه بعد 24 سنة من خلافته للإمام الخميني. لم يعد من الممكن أن يدين النظام الايراني أي نظام في العالم، وهو خاضع لمثل هذا النظام. المراجع الكبار في قم وفي النجف أيضاً وهو مهم جداً يرفضون هذه الأحادية. خاتمي تحدث عن شورى الفقهاء. روحاني يعرف جيداً حجم وحدود هذه المسألة لأنه عضو في مجلس الخبراء الذي ينتخب الولي الفقيه. وهاشمي رفسنجاني ليس بعيداً عن معركة خلافة خامنئي، وهو الذي كان في الأساس أولى بالموقع منه.
المثل الشعبي الإيراني الأول هو: اذبح بالقطنة. حسن روحاني ومعه رفسنجاني وخاتمي قادرون على تنفيذ هذا المثل بصبر خصوصاً أنهم يريدون المحافظة على النظام وليس الانقلاب عليه وتفكيكه. وهم الثلاثة يعرفون جيداً أن الفشل في هذه المهمة التغييرية تعني نهاية كل ما عملوا من أجله طوال خمسين سنة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.