8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

القصير ـ عرسال ـ اللبوة... وما بعدها

أنقذ حزب الله بشار الأسد موقتاً. لن يستطيع الحزب حتى ولو حشد ونقل كل مقاتليه من لبنان الى سوريا، إنقاذ الأسد الى الأبد. بعد مقتل مئة ألف مدني سوري لا علاقة لأغلبيتهم الساحقة بالنصرة والتكفيريين، فقد الأسد الشرعية الشعبية التي لا معنى للشرعية الدستورية من دونها. فلاديمير بوتين قالها مواربة، بأن الأسد لم ينفذ الإصلاحات التي طالبه بها الشعب السوري، وباراك أوباما قالها بوضوح. أما الشعب السوري فقالها منذ اليوم الأول ومع انطلاق الرصاصة الأولى ضد المدنيين المتظاهرين في 23 آذار 2011.
حزب الله، في المستنقع السوري، ولن يستطيع الخروج منه سالماً. كل الكلام عن كيفية إنقاذ نفسه بنفسه لا معنى له، لأن فتوى الولي الفقيه أكبر من الإرادات الطيبة. ما يقوم به الحزب حالياً، يجعل من القصير جرحاً عميقاً لن يشفى منه الجسد الشعبي السوري اللبناني. تصوير معركة القصير وكأنها الانتصار في معركة ستالينغراد، خطأ فادح وحتى خطيئة كبيرة. تحويل البلدة التي قاومت الهجوم الشامل، الى مزار لرحلات جماعية منظمة للبقاعيين وغيرهم، والتشييع بأن القتال فيها كان مناورة بالذخيرة الحية ستطبق نتائجها عندما يؤخذ القرار بتحرير قرى الجليل من فلسطين، خطيئة ومعيبة، خصوصاً وأن كل يوم قتال في سوريا، ينتج طلاقاً مع تحرير مزارع شبعا أولاً وقرى الجليل ثانياً. كما أن طريق تحرير فلسطين ضاع عندما صعد باتجاه جونية، كذلك يحصل مع الغرق في القصير وغيرها.
لو كان اللبنانيون كلهم شيعة، كان يمكن لحزب الله، أن يغرق في المستنقع السوري وظهره محمي، أما وأن اللبنانيين 17 طائفة، وان اللبننة قديماً والمذهبية حديثاً هي التي تصوغ العلاقات بين اللبنانيين، فإن ظهر حزب الله مكشوف مئة بالمئة.
لغة التخوين والتآمر، لن تنقذ حزب الله من الأتونين السوري واللبناني. لبنان كله خزان نفط وبارود من الأحقاد الطائفية والمذهبية ولا تنقصه سوى ولعة نار، حتى يصبح في خبر كان.
النار المذهبية، تحوّل لبنان يوماً بعد يوم الى جزر يقف أهلها على سلاحهم. أرخص شيء في المواجهات المذهبية الأرواح البشرية. عندما تتشكل الأحقاد وتبنى على روايات وأساطير، لا يعود للعقل من مكان. نار طرابلس قديمة. وشارع سوريا الفاصل بين التبانة وجبل محسن، هو خط تماس مثل طريق صيدا القديمة بين الشياح وعين الرمانة. معارك تنتهي دائماً بلا منتصر ولا مهزوم. فقط المزيد من الضحايا وخصوصاً الأبرياء منهم. صيدا عاصمة الجنوب تستعد لرسم خط تماس بين عبرا والحارة. البقاع الشمالي خلقوا له عرسال واللبوة.
عرسال بلدة أهلها من السنة، لكنهم لم يتظاهروا يوماً بمذهبيتهم. اسم رئيس البلدية علي الحجيري. يكفي هذا بطاقة مرور لتجاوز المذهبية. اللبوة لم تعرف يوماً مفاعيل التدين. أول شيخ وطأ أرضها وأمّ جامعها كان منذ أقل من عشر سنوات. في الأصل منطقة بعلبك كلها لا تعرف التعصب. طوال الحرب الأهلية وقعت معركة طائفية واحدة بمفاعيل خارجية، وندم الجميع. بعدها لم تقع ضربة كف طائفية واحدة.
تحويل مدخل عرسال من اللبوة الى خط تماس لعزل عرسال ولخنقها تنفيذاً لخطة أسدية بامتياز لن ينجح. من الصحيح القول لا أحد بريء في مثل الحالة التي تعيشها اليوم عرسال اللبوة. لكن الأصح أن أيدي كثيرة تعمل على صب الزيت على النار. خنق عرسال وإخضاعها، يخدمان خطة النظام الأسدي في قطع الهواء عن الثورة السورية. عرسال لا تسقط، إلا إذا سقطت الزبداني والنبك. قطع الطرق في سعد نايل وغيرها رسالة مذهبية واضحة، أن قطع الطرق خاضع لقاعدة 6 و6 مكرّر. ماذا يفعل كل أهل منطقة بعلبك الشيعة إذا قطعت طريق سعدنايل ومجدل عنجر والمصنع وهم في الأصل لا يستطيعون الالتفاف كما قديماً عن طريق القليعات فطرابلس، لأن الطرق هناك أيضاً يمكن قطعها وتحويلها الى مصائد للبعلبكيين والهرمليين؟
في صيدا، ما معنى الانزلاق في مستنقع الأسير شاكر وتعريض الخط الساحلي للأخطار. في الحروب المذهبية، لا تعود العملية الجراحية الموضعية كما حصل في 7 أيار ممكنة. الخوف أكبر سلاح للقتل خصوصاً إذا كان رصاصه مذهبياً.
النظام الأسدي يعمل على نقل الحرب من سوريا الى لبنان، لإشغال اللبنانيين بعضهم ببعض، ولتوجيه رسائل الى الخارج، بالعمل على تثبيته في السلطة كحل إنقاذي للبنان اليوم والعراق غداً.
اسرائيل ليست خائفة من إشعال الجبهة عندها، لذلك يقول كتّابها علناً دعوهم ينتحرون. حزب الله، ينتحر حالياً. النظام الأسدي لن يبقى. حتى ولو بقي بعضه ضمن اتفاق جنيف المقبل. النظام الإيراني سيقوم بالتغيير خطوة خطوة، ولا بد أن تكون ترددات هذا التغيير عميقة على لبنان. عندما يقول الرئيس حسن روحاني إنه سيعمل لإقامة علاقات طبيعية وجيدة مع دول الجوار، خصوصاً السعودية يعني أن النظام سيتفاهم مع السعودية على قاعدة واضحة وإيجابية. وحزب الله كما سمع ونفّذ تكليف الولي الفقيه بالانخراط في سوريا، سيكون مندفعاً أكثر للالتزام بالتفاهمات الإيرانية السعودية مستقبلاً.
المؤامرة كبيرة، على حزب الله كما يقول هو وأنصاره، مشدداً بأن الآخرين يصبون الزيت على النار، وإلا كيف ولد الأسير من الفراغ وتعنتر؟
حسناً، ماذا فعل الحزب لوأد هذه المؤامرة؟
أقصى شيء أنه يعمل على تخفيف المواجهات السنية الشيعية وتحويلها الى سنية سنية، كما حصل في طرابلس في دفع عائلتي النشار وحسون الى مواجهة الطرابلسيين السنة. وفي صيدا، وضع ابن معروف سعد الوطني في الواجهة بعد أن أعاد له حضوره وقواه، بعدما كان أضعفه وهمّشه. من السهل استجلاب مجموعات باسم المقاومة أو بالدولار والسلاح، ولكن هذا لا يُربح حرباً ولا يمنع مواجهة، كل ما يحصل هو تأجيل المواجهة المذهبية الكبرى.
الأسديون عن جهل أو استقواء بالآخر، ومعهم بعض وسائل الإعلام الغربية التي لها أهداف أكبر من انتصار القصير، تشيّع أن حزب الله أصبح قوة إقليمية وليس مجرد حزب محلي، وأنه قادر على المواجهة والحرب على ثلاث جبهات: سوريا ولبنان الداخل (أي الحرب المذهبية) واسرائيل. ربما حزب الله يعلم هذا. لكن الأهم أن مثل هذا النفخ في قدرات الحزب هو لنحره (ماذا سيفعل لأهله في الجنوب والبقاع غداً إذا وقعت الحرب مع اسرائيل وهجروا من أرضهم في وقت تقيم فيه الأحقاد المذهبية جدراناً من نار داخل المدن وبين القرى؟). المسؤولية كبيرة وهي مشتركة بينه وبين خصومه لكن مسؤوليته أكبر في منع الزيت عن النار المذهبية لأن مصلحته وحتى وجوده في إطفائها، والبداية من إعادة الدولة الى الدولة.

[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00