ليس لبنان وحده الذي يقترب من عين الاعصار. مصر والجزائر تكادان تلامسانها. قبل الثلاثة، دخلت سوريا وغرقت في بحر من الدماء. يبقى العراق السبّاق في هذا المسار. مربّع القوى العربية الذي يقوم عليه الوطن العربي، يكاد ينهار، ولبنان نجمة هذا المربع يكاد يحترق. يمكن لكل العرب أن يصرخوا، نحن ضحايا المؤامرة الصهيونية الامبريالية، التي تريد أن تكون إسرائيل، الأقوى لفرض إرادتها على الجميع. منذ أكثر من قرن والمؤامرة مستمرة، فماذا فعل العرب لإحباط المؤامرة؟
صيدا تعيش وكأنها مرت في 7 أيار جديد، رغم أنّ الجيش هو الذي قام بالعملية العسكرية. يمكن أن يجد كل طرف ألف سبب وسبب لتأكيد أو نفي موقف الآخر. لكن في المحصلة العامة، صيدا مدينة جريحة وأهلها مجروحون. صلاة الجمعة الجماعية في جامع الزعتري تعبيراً عن هذا الجرح، مؤلم جداً، لأنّه عام 1983، قامت الصلاة نفسها وكان بين المشاركين سنّة وشيعة ومسيحيون. خطبة الجمعة قبل ثلاثين عاماً كانت الإعلان عن دعم المقاومة والالتزام بها لتحرير الجنوب. اليوم وبدون أي حجاب ولا ألوان موهومة، صلاة جمعة 28 حزيرن 2013، هي خطوة كبيرة باتجاه الضفة الاخرى المعادية لمَن قاوموا ماضياً. مجرد دخول السلاح مباشرة أو تحت مسميات مختلفة لا علاقة لها بالمقاومة من قريب أو بعيد في زواريب المدن والقرى وتحويل شوارعها إلى خطوط تماس تتمترس فيها كل الأطراف المذهبية يعني أنّ السرطان أصاب الجسم اللبناني.
اليوم حزب الله يخوض مواجهات ومعارك على ثلاث جبهات هي: سوريا المشتعلة والجبهة الداخلية في لبنان، وعلى الحدود مع إسرائيل. حتى لو كان الحزب جيشاً اقليمياً فإنّ توزيع قواه على هذه الجبهات الثلاث أكبر منه. مأساة هذا الانفلاش وهذا الاستقواء انه في النهاية مكلف جداً له وللشيعة في لبنان، وحتى في المهجر. والمأساة الأكبر أنّه مهما صفت النوايا فإنّ الحزب لن يستطيع تبرئة نفسه أمام الآخرين وتحديداً السنَّة في لبنان. والأسوأ من كل ذلك أنّ الحزب لا يستطيع التراجع بدون تكليف شرعي من الولي الفقيه في طهران، وهذا التكليف لن يأتي اليوم أو غداً لأنّه بانتظار تسويات واتفاقات تصاغ على طاولة المفاوضات التي يحضرها الكبار. أمّا مَن كان مثل حزب الله فإنّه سيبقى في حمى العباءة الإيرانية مثله مثل كل الملفات الضخمة الموجودة، حتى لو كان يتمتع بخصوصية الابن الشرعي والوحيد.
أما مصر، فإنّها أصبحت أمام خيارين، إمّا الفوضى وحرب أهلية من نوع جديد أو الجيش. في الحالتين تمّ نحر ثورة 25 يناير. الفوضى وغيرها ستهلك مصر والجيش سيعيدها عقودا إلى الوراء مهما ادّعى الديموقراطية. مأساة مصر أنّها ابتليت بالاخوان المسلمين، وقد ثبت بعد عامين أنّهم في السلطة أسوأ ممّا كانوا في المعارضة السرّية والعلنية. يرى البعض انّ ما تمر به مصر يكاد يشبه الحالة الاربكانية في تركيا، لهذا من الطبيعي أن يتقدّم الجيش خطوة ويتراجع الآخرون خطوات، ثم تأتي المرحلة الاردوغانية بعد نضوج المجتمع المصري.
يمكن استقراء التاريخ بألف صيغة وصيغة. المهم أنّ مصر تقترب من عين الاعصار، وأنّ قوى اقليمية خصوصاً إسرائيل ودولية لن تحزن كثيراً، بالعكس ستجد في غرق مصر مكاسب لها لا تُحصى تماماً كما يحصل مع سوريا.
اليوميات السورية واللبنانية، أنست الجميع المغرب العربي وما يدور فيه رغم أنّ الربيع العربي بدأ من تونس. الجزائر اليوم تسير على حافة السكين، وهي تتقدّم بسرعة نحو عين الاعصار. النظام فيها شاخ ويقوده معمرون بالعمر والسلطة، ويريدون ويعملون لتمديد بقائهم وتجديد ولاياتهم. الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قيد المعالجة في فرنسا وهو مريض منذ فترة طويلة ولا يريد أن يتنازل ولا أن يسلّم الرئاسة، لأنّ القوى الممسكة بمراكز السلطة، لم تتفق بعد، وأهمّهم قائد المؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قائد صلاح منذ 2004 وقائد جهاز الأمن العسكري محمد مدين المعروف باسم توفيق منذ 1990 وهو بذلك عميد كل قادة أجهزة المخابرات في العالم، وتوفيق غير معروف من الجزائريين في الوقت الذي يعرف كل شيء عن الجزائريين. يضاف إلى هؤلاء لوبيات أبرزها شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة، ومسؤولي تجمّعات المجاهدين وأبناء الشهداء وعائلاتهم، والمشكلة أنّ زعماءهم يعرفون ماذا يريدون في حين أنّ الجزائريين لا يعرفون مَن هم بعد ستين عاماً على الثورة، هذا دون تناسي حزب جبهة التحرير الذي يضم 400 ألف عضو، وكل ذلك وسط بلاد منكوبة بإدارتها وعدم تنميتها رغم ثرواتها النفطية ومن الغاز. أما أسوأ ما تواجهه الجزائر ويقربها من عين الاعصار فهي التهديدات الحقيقية التي تعيشها من داخلها والى حدودها مع مالي وليبيا والنيجر بعد أن تمدّد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي واخترق حدودها.
يبقى العراق، الذي وإن حقق قفزة مهمة بعد أن خرج من تحت البند السابع للعقوبات، فإنّ مأساته أنّه لم يخرج من كنف نظام مفتّت وممزّق مذهبياً وسياسياً وجهوياً، ومصاب بمرض اسمه احادية السلطة أو أنا أو لا أحد على طريقة البعث وصدام حسين، ومحاط ببؤر مشتعلة تهدد بزيتها ناره.
أمّا سوريا فإنّ خلاصها يبدو بعيداً، لأنّ النظام الأسدي سيحارب إلى الأبد للحفاظ على أطلالها له إلى الأبد، ومعارضة ممزّقة داخلياً وخارجياً، لا أمل بأن تتوحّد لتخلص الشعب السوري من قلب الإعصار الذي ساهمت بنفسها رميه فيها.
مأساة الأمّة كلها، أنّ مطلب المحافظة على اتفاقية سايكس بيكو أصبح قومياً ووطنياً، خصوصاً بعد كل ما جرى وكل المشاريع المطروحة التي تمزّق المنطقة من افغانستان إلى حدود روسيا وليس فقط المشرق العربي.
يبقى قبل صيدا غير ما بعدها.. فهل فات الأوان؟!
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.