عام 1952، قام جمال عبدالناصر بثورة 23 يوليو. عام 2011، قام الشعب المصري بثورة 25 يناير. عام 1970 وما بعدها، اغتال أنور السادات الثورة وأجهز حسني مبارك عليها. عام 2013، قام الشعب المصري بثورة 30 يونيو/ حزيران، ليحمي بها ثورة 25 يناير ويمنع اغتيالها. هذه هي أهمية الشرعية الثورية عندما يقودها الشعب ويحميها الشباب بصدوره العارية، وحناجره الملتهبة.
الآن، أصبح للعرب ثورة شعبية دخلت التاريخ على مثال الثورات الشعبية في فرنسا وروسيا. الفرق بين ثورة العرب الأولى, والثورات الأخرى أنّها متحرّرة من الاأيديولوجية. خرج شباب مصر وشعب مصر، من أجل الحرية والرغيف بكرامة، وليس من أجل أيديولودية يسارية أو ليبرالية أو إسلامية. هذا هو الجديد في ثورة 30 يونيو، لذلك توحّدت الميادين والشوارع وتواصلت وتحوّلت إلى محيطات بشرية. مثل هذه الثورة التي تمتلك هذه الشرعية الثورية، لا أحد يمكنه سرقتها ولا اغتيالها ولا ركوبها. في مطلع ثورة 25 يناير قال لي الكاتب والصديق يوسف القعيد: شباب مصر، هم نوبة صاحي. أي الوحدة العسكرية التي تبقى مستيقظة لتوقظ باقي الوحدات إذا وقع أي هجوم من الأعداء! بدا يوسف في ذلك الوقت متفائلاً جداً، لكنه واقعياً كان كمَن يقرأ في كتاب مفتوح. شباب مصر أضاؤوا الإشارة الحمراء أمام الرئيس محمد مرسي، ولم يتوقف فاصطدم بالشعب والجيش معاً.
ما قبل 30 يونيو، غير ما بعده. فماذا بعد؟
لم يفشل محمد مرسي، لأنّه رئيس فاشل فقط، وإنّما لأنّ حزبه الأخوان المسلمين فشلوا قبله ومعه. شراهتهم للسلطة جعلتهم يعتقدون أنّهم قادرون على الإمساك بمصر. آمنوا وعملوا كما آمن قبلهم أعداء مصر، بأن شعب مصر عُندٌ لمَن حكم فكانت النتيجة أنهم خسروا كل شيء. لم يفهموا أنّهم جاؤوا على مدّ ثورة 25 يناير التي لم تكن ثورة اخوانية. بالعكس الأخوان المسلمون التحقوا بها متأخرين وبعدما تأكدوا أنّها ليست من فعل المخابرات. مشكلة الأخوان المسلمين أنّهم أرادوا التهام مصر دفعة واحدة، لم يدركوا أنّ مصر أكبر منهم. المشكلة الأخرى أنّ الأخوان المسلمين بقوا أسرى التنظيم السرّي ولم ينجحوا بعد سنة من السلطة في الانفتاح على كل المكوّنات السياسية والشعبية في مصر، ولم يعرفوا كيف يصيغوا تحالفات ويقوموا بتسويات تنجيهم من الصدام مع هذا البحر الشعبي الواسع. لم يفهم الأخوان أن الرغيف بلا كرامة طعمه مرّ, وأنّ الشعب المصري لم يعد يتحمّل مرارة هذا الرغيف حتى ولو كان مغلفاً بشعارات إسلامية، وأنّ الملايين الذين اقترعوا لهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية، لم يفعلوا ذلك لأنّهم إسلاميون وإنّما لأنّهم يريدون التغيير العميق والحقيقي.
الجيش المصري، يلعبها صحّ. أثبتت قيادته أنّها قادرة على الإمساك بالوضع وأن تقف إلى جانب نبض الشارع. لا يمكن للجيش المصري، وهو المؤسسة الوطنية، عن جدارة وشرعية كاملة، أن يقف إلى جانب الرئيس محمد مرسي في 30 يونيو, وهو بالأمس تخلى عن مبارك عندما وقعت ثورة 25 يناير. كلمة وزير الدفاع المصري باسم القوات المسلحة واضحة، لن تقوم المؤسسة بانقلاب عسكري لأنّ الانقلابيين سيتواجهون مع الشعب عاجلاً أو آجلاً. زمن الانقلابات انتهى. الجيش سيشرف على تنفيذ خارطة مستقبل مصر. أولى الخطوات ستكون تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون للشباب الذي تم تجاهله بعد نجاح ثورة 25 يناير دوراً ومكاناً في هذه الخريطة.
لكن هذا كله، يضيف أسئلة ولا يلغي كل الأسئلة؟ ماذا لو رفض مرسي والأخوان الانصياع لقرار الجيش؟ وماذا لو قال مرسي: أقبل بتشكيل حكومة وطنية على أن أكمل فترتي الرئاسية لأنّ شرعيتي دستورية؟ ماذا لو رفضت القوى المدنية والسياسية الموجودة في الميادين والشوارع هذا الحل، وماذا سيكون موقف الجيش؟ هل يلجأ إلى القوة، أم يدعم العصيان المدني الذي يبدأ بسلسلة طويلة من الاستقالات الجماعية تشلّ مصر كلها؟
وماذا عن الولايات المتحدة الأميركية التي حتى أمس كانت تدعم ضمناً الأخوان المسلمين ومحمد مرسي؟ هل تعتمد كما اعتادت إداراتها وخصوصاً الإدارة الأوبامية إلى الواقعية السياسية فتعمل على ضبط إيقاعها مع إيقاع المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني والقوى السياسية المتعدّدة الأطياف؟ على الأرجح إدارة أوباما لن تقف في وجه الملايين من الشعب المصري التي خرجت تطالب بالتغيير. إذا فعلت ذلك فإنّها تكون دخلت في حرب علنية ضدّ الديموقراطية الشعبية وكامل مفاعيلها وفتحت الباب نحو التطرّف كما فعلت في سوريا باسم محاربة النصرة.
ثورة 30 يونيو زلزال ثوري لا يمكن لأحد أن يقف ضدّه، ولا أن يكون بمنأى عن مفاعيله. ميدان التحرير ثبّت الربيع العربي ومفاعيله وعلى الجميع أن يستوعبوا دروسه.
الأسديون والممانعون، يرون في سقوط مرسي والأخوان انتصاراً لهم وإشعاراً ببقاء الأسد في السلطة إلى الأبد. السوريون الذين قاتلوا أكثر من 27 شهراً وسقط منهم مائة ألف شهيد عدا مئات الألوف من المفقودين والمعتقلين، وملايين النازحين واللاجئين، لن يقبلوا بأقل ممّا سيقبل به الشعب المصري. لا يمكن أن يسقط رئيس مصر ويبقى رئيس سوريا. الفرق بينهما شاسع، الأوّل ساذج وخاضع لمرشد الأخوان، والثاني قاتل ولاجئ عند القيصر والولي الفقيه.
الشعب المصري، عرف طريقه. الشعب المصري رسم للشعوب العربية مساراته من أجل الحرية والكرامة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.