8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مصر.. من هنا البداية

ما حصل حتى الآن في مصر بداية لرسم المسارات القادمة لها وللمنطقة، وليس للعالم العربي وحده، لأنّ مصر دولة مؤثِّرة في العمق، وليست دولة تتأثّر بما يقع حولها.
الملايين التي خرجت إلى الميادين في القاهرة وكل المدن المصرية، وحافظت على استمراريتها وتواصلها وهدوئها، حدث غير مسبوق في العالم. وإذا كان بوعزيزي في تونس السنونو الذي فتح الحدود أمام الربيع العربي، فإنّ يوم 30 يونيو وما بعده، سيشكّل بوصلة لكل الشعوب في المنطقة، بأنّه لا مكان للايديولوجيات الشمولية سواء كانت ماركسية أو دينية أو توتاليتارية. ولا شك أنّ التطوّرات المستمرّة في مصر، قد أفرزت وقائع عديدة ما زال الوقت مبكراً على جعلها حقائق وصيغاً يمكن البناء عليها من دون تردّد وحذر.
المصريون، لم يتحمّلوا حكم الإخوان المسلمين، لأنّ هذا التنظيم تناسى أنّ المصريين مسلمين ومسيحيين مؤمنون ولكنهم لا يتحمّلون أسلمة مصر. مشكلة الإخوان، أنّهم جاءوا إلى السلطة وهم يعتقدون أنّه يكفي الإمساك بها وإدارتها عبر الجهاز البيروقراطي المتوارث منذ مئات السنين، لم يدركوا أنّ الإمساك بالسلطة يقتضي الإمساك بمواقع السلطة بالأشخاص وقبل ذلك بمشروع سياسي واقتصادي حقيقي ومتكامل إلى حد ما. اعتقدوا أنّ جمال عبدالناصر نجح في وضع يده على السلطة وهو فرد فكيف بهم وهم تنظيم يضمّ الألوف، الكثيرون منهم عملوا تحت الأرض وعرفوا السجون. هذا الاعتقاد منعهم من ملاحقة مسألة دقيقة وهي أنّ عبدالناصر أدرك منذ اللحظة الأولى أنّ المهمّة الأساسية للإمساك بالسلطة هي صياغتها ضمن مشروع كبير يستجلب انضمام الناس العاديين إليه، أو كما كان يطلق عليهم الغلابة، وأنّه كان على الإخوان المسلمين بسبب فارق الزمن والتطوّر في المفاهيم والتشكلات والحاجات أن يعرفوا كيفية التعامل مع طبقة متوسطة نمت بسرعة وانتشرت في مصر، بسبب الخطوات الإصلاحية التي قام بها المشروع الناصري داخل مصر في قطاعي التعليم والزراعة.
أيضاً، وهو مهم جداً، أنّ الإخوان المسلمين وليس محمد مرسي الذي أثبت أنه آخر مَن يعلم، لم يأخذوا في حساباتهم أنّ المؤسسة العسكرية التي احتجبت طويلاً عن واجهة المسرح في عهد حسني مبارك لم تكن غائبة عن التفاعل مع المجتمع المصري عندما دقّت الساعة في 25 يناير، وأنّ هذه المؤسسة المعروفة بوطنيتها قادرة وتملك الإمكانات للعب دور مدروس بعناية وتصميم تحت شعار حماية الوطن وضمان نجاح الثورة وتحقيق مطالب الشعب. حتى الآن، من الواضح جداً أنّ المؤسسة العسكرية كانت على وعي كامل بأنّ ساعة التدخّل قد دقّت. لقد تقاسمت المؤسسة العسكرية مع قوى 30 يونيو، عملية التغيير، والحؤول دون تحويل هذه المعجزة إلى حرب أهلية مهما كان شكلها ومفاعيلها. لذلك كله فإنّ جزأرة (من الجزائر) مصر صعبة جداً إن لم تكن مستحيلة. ما يعزّز ذلك أنّ الجزأرة وقعت لأنّ الجيش الجزائري كان ضدّ الإسلاميين ومستعد للدخول في حرب ضدهم، وأنّ الجزائريين لم ينحازوا إليهم، وأخيراً أنّ الجيش الجزائري وجد في وقوف فرنسا إلى جانبه ودعمه له بكل ما يمكنها، وهي التي تعرف الجزائر كأنّها مقاطعة فرنسية، سنداً عزّز حربه بكل الوسائل والإمكانات وسط تعتيم إعلامي منظم، لم تُكشف كل أسراره حتى الآن.
مشكلة الإخوان المسلمين أنهم أكثروا من الاعتماد على المثال التركي الأردوغاني للاستيلاء على السلطة. لم ينتبه الإخوان أنّ حزب العدالة والتنمية، أتى إلى السلطة بعد مخاضات وممارسات واستثمار لكل الدروس الإيجابية والخاسرة لتطوير أنفسهم ومسارهم. أيضاً وهو مهم جداً، أنّ حزب العدالة والتنمية انفتح على مكونات المجتمع التركي، ولم يحاول أسلمته وأنّ الطيب رجب أردوغان هو الذي تلقى الضربة القاسية في ميدان تقسيم عندما أقدم على محاولة أسلمة النظام ومعه تركيا.
مصر مقبلة على تغيير حقيقي. لن يكون سهلاً ولا بسيطاً. ستواجه مصر مصاعب طارئة وعديدة. السؤال الآن: هل يقبل الإخوان المسلمون الانكفاء والقبول بالتغيير والعمل من جديد، وعلى أسس جديدة للعودة التي قد تأخذ سنوات عديدة، حتى لا تكون خسارة 30 يونيو بالنسبة لهم هزيمة لكل مشروعهم؟ أم أنّهم سيدخلون في مغامرة القوّة فتقع الكارثة ويدفعون مع مصر ثمن المواجهة، لأنّ المؤسسة العسكرية لن ترحمهم، وبدعم كامل من معظم الشعب المصري إن لم تكن أغلبيته العظمى.
أيضاً وهو مهم جداً، إنّ هزيمة الإخوان المسلمين ستكون بلا شك هزيمة لمشروع أخونة النظام العربي، الذي كما يبدو كانت الإدارة الأوبامية في واشنطن قد تعاملت معه وكأنّه الدواء الناجع لمحاربة الأصولية، ولم تدرك هذه الإدارة أنّ دفع المجتمعات العربية وأنظمتها نحو الدمقرطة عبر تشجيع تسلم المدنيين السلطة ولو ضمن المستقبل المتوسط هو الحل.
الآن ماذا سيفعل التنظيم العالمي لـالإخوان المسلمون؟ ماذا سيحصل في تونس، حيث المجتمع المدني قوي جداً والجيش التونسي يميل نحو التعامل مع هذا المجتمع أكثر من العمل مع النهضة والغنوشي؟. أما ما يتعلق بسوريا التي أعلن وزير الإعلام فيها (الذي يذكر بالصحّاف وزير الإعلام العراقي في عزّ الحرب مع الولايات المتحدة الأميركية)، أنّ على مرسي الخضوع لرأي الشعب والانسحاب من السلطة، فإنّ ما جرى في مصر يفتح الباب على مصراعيه أمام التغيير في سوريا لأنّه لا يمكن أن يُقال إنّ مرسي طاغية وعليه أن يرحل لأنّ الشعب يطالبه بذلك وأن يبقى الأسد والشعب كتب بدمائه طلب رحيله.
تبقى إيران في كل ما يحصل والمقبلة بدورها على تطورات مفتوحة مع تجربة الرئيس حسن روحاني في قلب الحدث. لا يمكن للمرشد آية الله علي خامنئي الإصرار على خطابه المتعلق بالصحوة الإسلامية في ظلّ هذا الخروج الملاييني للمصريين طلباً للتغيير. أمام إيران فرصة التغيير بهدوء وخطوة خطوة مع روحاني إذا لم يطوّقه الولي الفقيه بسلطاته غير المحدودة. روحاني يعرف والإيرانيون يعرفون جيداً، أنّ الطبقة المتوسطة في إيران هي الأكبر والأنضج في المنطقة. وأنّ هذه الطبقة نجحت في مرّات عديدة بالمرور في اختبارات تكلل العديد منها بالنجاح، وأن هذه الطبقة زائد الشرائح الفقيرة، لا يمكنها الصبر طويلاً على سياسة الصعود إلى الفضاء والانحدار بسرعة تحت خط الفقر. لذلك كله، إذا سدّت أبواب التغيير والإصلاح أمام روحاني وحوله هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، فإنّ ما حصل في مصر سيكون مثالاً لما يمكن أن يحصل في إيران. والخوف من سورنة إيران قائم بين الإيرانيين، لكن أيضاً الثقة بأنّ المؤسسة العسكرية بشقيها الحرس الثوري والجيش لن تتحوّل إلى مثال الجيش السوري بضرب مدن إيران بالطيران والصواريخ من دون رحمة، لأنّ المؤسسة العسكرية الإيرانية قومية ووطنية، وهي من مجتمع عماده القومية الممتزجة مع المؤسسة الدينية العميقة الجذور في خدمته ودعمه في توجهاته الأساسية عبر التاريخ الحديث.
من ميدان التحرير كانت البداية. مصر ما زالت مفتوحة على جميع الاحتمالات ومعها المنطقة كلها..
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00