8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ارتدادات غير مسبوقة لثورة 30 يونيو في المنطقة

اختصار ثورة 30 يونيو، بالانقلاب العسكري أو حتى نصف الانقلاب، تبسيط فيه الكثير من الجهل أو سوء النيّة. أيضاً، القول إنّ سقوط محمد مرسي، هو نهاية المشروع الإسلامي فيه أيضاً الكثير من المواقف المسبقة أو المعادية أو المبتسرة لحركة التاريخ. ما حصل في مصر، رضي مَن رضي، وغضب مَن غضب، ثورة شعبية غير مسبوقة في تاريخ الوطن العربي. دخول المؤسسة العسكرية على خط الثورة كان لحمايتها وليس للانقلاب على الاخوان المسلمين أو محمد مرسي. تدخّل المؤسسة العسكرية المصرية كان حاجة وضرورة، وليس اقتحاماً واستيلاء. الفرق كبير جداً. أي مواجهة بين ملايين ميدانَي التحرير ورابعة العدوية، كان سيدمّر مصر ويطيحها على غرار سوريا لعقود طويلة. الانقلاب يكون إذا بقي الجنرال السيسي وباقي ضباط القيادة في السلطة، ولم يتركوا العملية السياسية تنضج، ليتسلم المدنيّون السلطة ولو بعد أكثر من عام. في الأصل، المشير الطنطاوي لم يسمع النصائح في تأجيل العملية السياسية، إلى حين نضوج القوى السياسية، وتبلور الأحزاب المدنية خصوصاً وأنّ مصر والمصريين خارجون من فترة تصل إلى أربعين سنة من التصحّر السياسي.
أيضاً، انّ خروج الاخوان المسلمين من السلطة في مصر، لا يعني أبداً سقوط المشروع الإسلامي السياسي. بلا شك تلقى هذا المشروع وهو في بداية صعوده ضربة قاسية ولكنها ليست قاضية. تنظيم الاخوان المسلمين الدولي، منتشر على خريطة العالم الإسلامي، وهو قادر على استيعاب ما حصل وإعادة صياغة تموضعه وحركته. من الواضح أنّ هذه العملية ليست سهلة أبداً، بل أنّ مصاعبها مضاعفة عن كل المراحل السابقة. لأنّه وقع نوع من الطلاق بين هذا المشروع وأكبر جماهيرها. الأخطاء التي ارتكبها الاخوان في مصر تحت رئاسة محمد مرسي وقيادة المرشد محمد بديع كانت قاتلة. استعجل الاخوان الاستيلاء على كل مفاصل السلطة، ونسوا أنّ لهم في الوطن شركاء ومنافسين يجب التعامل معهم بذكاء وحنكة ودراية. الآن بدأت مرحلة جديدة في تاريخ المشروع السياسي الإسلامي. ينجح اخوان مصر في تجاوز الضربة القاسية التي تلقوها أو تكون ضربة قاتلة لهم ولباقي القوى الإسلامية. ولا شك ان اخوان مصر سيجدون مهمتهم أصعب بكثير من السابق، لأنّهم عندما تسلموا السلطة كان الأردوغانيون في تركيا في عزّ قوّتهم، بينما هم يعانون حالياً من تحدّيات داخلية عديدة ستمنعهم من الانخراط بقوّة إلى جانبهم. أيضاً الإسلاميون في باكستان، يتراجعون تحت ضغط التحوّلات داخل المجتمع الباكستاني، والقلق من أن يؤدي خروج الأميركيين القريب من افغانستان إلى وقوع مصاعب إضافية يجب التحضّر لها، حتى لا يستولي طالبان باكستان على السلطة، وهو أصلاً ممنوع أميركياً وروسياً خوفاً من وقوع السلاح النووي بين أيديهم. الاخوان المسلمون في مصر أمام اختبار عظيم، إمّا الانكفاء وإعادة التنظيم والعمل ضمن قواعد اللعبة الديموقراطية المتجدّدة أو دفع مصر إلى الاقتتال حيث سيكونون الخاسرين الكبار.
سقوط نظام الاخوان المسلمين في مصر تحت ضغط ثورة الجماهير وضغوط الميادين، يجب ألا يسعد الديكتاتوريات خصوصاً في دمشق. في مصر سقط نظام الاخوان بأقل خسائر ممكنة. في سوريا بلغت كلفة ابعادهم، مجزرة حماه، على يد الرئيس الأسد الأب، ودمار سوريا على يد الرئيس الاسد الابن، وما زالت الحرب مستمرة، ومليئة بالمفاجآت والأحداث.
عربياً، يبقى حزب الله في قلب الحدث. سقوط مرسي والاخوان في مصر، أسقط مشروع الصحوة الإسلامية العزيز على قلب المرشد آية الله علي خامنئي. حزب الله لا يمكنه أن يكون مع مشروع إسلامي على مساحة الوطن العربي، وفي الوقت نفسه على عداء يصل إلى المواجهة المسلحة مباشرة في سوريا وبالواسطة في لبنان. ليس الاخوان وحدهم مدعوين لمراجعة ما حصل، على حزب الله العمل بسرعة على ملاقاة التحولات العميقة التي لا يمكن استقراؤها حتى الآن بوضوح حتى لا يقع في عين الاعصار ويأخذ معه الشيعة في لبنان.
المشكلة الكبرى في كل ما يحصل إرباك الإدارة الأوبامية. اعتقدت هذه الإدارة أنّها إذا دعمت الاخوان فإنّها ستنجح في محاربة الإسلام بالإسلام. كما أنّ إسرائيل اعتقدت أن تسلم الإسلاميين السلطة، ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأنّ قيام دول دينية إسلامية في العالم العربي، يشرّع وجودها كدولة يهودية لكل اليهود في العالم. الإدارة الأوبامية مدعوّة اليوم أكثر من قبل إلى مراجعة كل مساراتها في المنطقة. كل يوم إضافي من الإرباك، هو خطوات كثيرة من الحضور والنفوذ إلى الوراء. كلفة استعادة نفوذ ضائع، تكون عادة أكبر بكثير من كلفة المحافظة عليه، ولا شك أنّ واشنطن ستدفع عاجلاً أو آجلاً هذه الكلفة سواء بسبب سوريا أو مصر أو غيرهما.
مصر غيّرت مسارات المنطقة بعد ثورة 1952 وهي اليوم أكثر من السابق ستفعل أكثر لأن ارتدادات زلزالها ستكون غير مسبوقة في المنطقة كلها وليس الوطن العربي وحده.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00