الثورة في مصر، والثورة في سوريا، حدثان غير مسبوقين في تاريخ الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط. تسونامي الملايين الشعبية الذي اجتاح الميادين والشوارع، وتزاوجه مع حركة الجيش الالتفافية معها، لم يحصل من قبل. كانت الجماهير الشعبية أسيرة التصحّر السياسي، والخوف القاتل من آلة القمع والقتل للسلطة. تعاظم الضغط، ولّد هذا الانفجار، خصوصاً وأن شعوراً عميقاً ساد مختلف الأوساط المصرية حتى الفقيرة جداً منها، ان ثورة 25 يناير قد سرقت منها على يد الاخوان المسلمين.
في سوريا، لم يسبق لشعب في المنطقة، وحتى في العالم، أن دفع ضريبة الدم كما دفعها ويدفعها الشعب السوري، رفضاً للديكتاتورية وطلباً للحرية والكرامة. رغم ذلك، فإن الثورتين المصرية والسورية في خطر.
ما زال الوقت مبكراً جداً، للدخول في تفاصيل المستقبل وكيف سيكون النظام في القاهرة ودمشق. الحدثان في بدايتهما. مصر مقبلة على تطورات يومية، سترسم بقوة مفاعيل الغد. لذلك فإن المرحلة مرحلة الأسئلة، ومنها: لماذا اختار الاخوان المسلمون المغالبة بدلاً من المشاركة بعد فوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية، ورفضوا الانفتاح على مكوّنات أساسية من ثورة 25 يناير ومن المجتمع المصري؟
لماذا عمدوا الى تسريع عملية أخونة مصر، في وقت لا طبيعة الشعب المصري تتحملها ولا هيكلية نظامه الاقتصادي تقبلها وتمشي معها؟ هل التعاون بين الاخوان وواشنطن وصل الى درجة التحالف المبني على تفاهم عميق وقديم وليس إبن ساعة فوز الاخوان بالسلطة؟ وهل هذا التحالف هو الذي منع صقور الاخوان وفي مقدمهم المرشد محمد عاكف وخيرت الشاطر ومحمد مرسي من سماع رأي الحمائم وحتى نصائح راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي والطيب رجب أردوغان، بالاعتدال ورفضهم لإجراء تسويات تحقق نوعاً من الوحدة الوطنية تحصّنهم؟ وهل اعتقد الشاطر ومرسي وعاكف أن ترضية الجيش ببعض المواد في الدستور التي تحفظ مصالحه، تجعله سيفاً بيدهم؟ ألم يدرك الاخوان أن أخونة مصر بسرعة كان لا بد أن تثير الجيش وتجعله يشعر أن حجاب الأخونة يصل إليه؟ أيضاً وهو جدير بالتساؤل، هل شعر الجيش بعدما قيل إن أحمدي نجاد قدّم نصيحة لمرسي بنسخ التجربة الإيرانية بتشكيل حرس ثوري وباسيج لحماية ثورة الاخوان فاستثار ذلك كل المخاوف لدى الجيش الى درجة قفزه فوق الخطوط الحمراء الأميركية؟ وأخيراً وليس آخراً، هل يذهب الاخوان في تحدي الشعب المصري والجيش المصري الى درجة الدخول في حالة من الحرب الأهلية، لتكون عمليات قتل المدنيين ورميهم من الأسطح ومن ثم عملية الحرس الجمهوري الدامية، مجرد تمرين ميداني على القتل، فيكون مثال مصر في الحرب الأهلية مزاوجة بين الجزأرة والسورنة؟ أم ينخرط في مسار مصالحة وطنية شاملة، يكون له موقع في صناعة مستقبل مصر.
أما الثورة في سوريا، فإنها تتعرض في هذه المرحلة لامتحان بقاء ينتج عنه ولادة دولة سورية جديدة، أو يبقى النظام الأسدي بكل تاريخه المجيد من الأب الى الإبن في القمع والقتل والتدمير الممنهج. أمام الائتلاف الوطني السوري ورئيسه المنتخب أخيراً أحمد عاصي الجربا مهمة مصيرية ملحة، هي إنقاذ الثورة السورية. النظام الأسدي، نجح بلا شك معتمداً على آلة القتل المنظمة والمتحالفة مع إيران وروسيا وحزب الله والنظام المالكي العراقي، في تحقيق انتصارات ميدانية. ولا شك أيضاً أن الإدارة الأوبامية تتحمّل جزءاً أساسياً من هذا الانقلاب الميداني لأنها بِصَمْتها عن تجاوز النظام الأسدي لكل الخطوط الحمراء التي خطّتها بنفسها، من دون مساءلة، منحته إجازة بالقتل من دون حساب.
المعارضات السورية، خصوصاً الائتلاف يتحرك الآن بتصميم وبناء على خريطة مستقبل وروزنامة زمنية محددة، في إنقاذ الثورة، أو تذهب تضحيات السوريين أدراج الرياح. من الطبيعي والضروري أن تتحمّل الأطراف التي تقول إنها مع الثورة أو إنها من أصدقاء الشعب السوري، مسؤولياتها أو ستدفع كلفة ما سيحصل غالياً. حتى الآن يمكن القول إن الأسد ونظامه نجح تقريباً في تشكيل الدولة الأسدية التي يأملها من الحدود التركية الى القصير وعلى طول الشاطئ البحري. سقوط حمص سيكون مدوياً. ماذا ينفع القول إن ما بعد القصير غير ما قبلها، هل يصبح الشعار ما بعد حمص غير ما قبلها؟
اندحار الثورة وسقوط سوريا لن يترك أحدا بسلام من المحيط الى الخليج. ارتدادات مثل هذا الحدث سيغيّر طبيعة المنطقة لعقود طويلة. انتصار الأسد يعني انتصار معادلة واضحة. فلاديمير بوتين قيصر روسيا سيفرض على المسالم والانزوائي باراك أوباما تقديم تنازلات أكبر وأهم على مساحة العالم. اختيار القوة متى نجح في موقع مثل سوريا سيكون قابلاً للتكرار واستثمار مفاعيله في مواقع أخرى على مساحة العالم، خصوصاً وأن التنين الصيني حاضر للدعم وتقاسم المغانم. إيران التي أصبح استخدام مقولة إيران الكبرى (من أفغانستان الى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط طبيعياً لدى المسؤولين، ستضع تحت عباءتها سوريا والعراق (إقامة تحالف بين الشيعة والأكراد عبر تسليم البرزاني رئاسة الجمهورية ينهي كل التساؤلات حول مستقبل العراق) ولبنان. ولاحقاً بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية الجزء الأساس من أفغانستان ومن الممكن التحالف مع طالبان لاقتسام السلطة في باكستان. هذه هي أهمية أن يكون لدولة مثل إيران مشروع سياسي ضخم وأن يتم تنفيذه من دون حسابات لكلفته، وبين أن يكون لدول أخرى تملك قدرات أكبر وليس لديها مشروع سياسي ولا الاستعداد لتولي قيادة الهجوم المضاد.
أخيراً، هل يمكن لواشنطن القبول بتحوّل إيران الى دولة كبرى؟ وماذا يمكنها أن تفعل مع دولة أخرى تستعد لنسخ التجربة الإيرانية، ولو بوسائل أخرى تتناسب مع موقعها وأهدافها؟ هذه أسئلة من سلّة أسئلة كلها شرعية ومشروعة، وحدها التطورات ستأتي بالإجابات الراسمة لكل المسارات المستقبلية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.