هذا الصيف حار جداً، على مختلف الأصعدة والجبهات والساحات من الجزائر إلى سوريا ومصر وصولاً إلى إيران. التصعيد سيكون سيّد الموقف، وبمختلف الاسلحة السياسية والعسكرية. مجرّد فشل انعقاد مؤتمر جنيف-2 حتى الآن، والمرشح للتأجيل شهراً بعد شهر، يعني أنّ النار الحامية لم تُنضج طبخة الحلول، وأنّ التوصل إلى اتفاقات يعرف كل طرف من الأطراف حدوده ومكتسباته والفواتير المستحقة عليه، ما زالت قيد المفاوضات بالنار السرّية والعلنية. من الضروري، أن تصل الأطراف المتواجهة كلاً منها على حدة، انّها لم تعد قادرة على القتال وأنّها استنفدت طاقاتها وامكاناتها، أو أنّها حصلت على أقصى ما يمكنها ولم يعد القتال من الداخل أو الخارج أو بالواسطة يعطيها من أسباب القوّة والربح أكثر مما حصلت عليه. أيضاً ليس بالضرورة أن تتوقف المواجهات دفعة واحدة وعلى مختلف الجبهات حتى لو كانت متداخلة في بعض أسبابها وظروفها وعلاقاتها، بالعكس من الطبيعي جداً، أن تهدأ أو تنتهي في جبهة ليتبع التصعيد في أخرى.
طبعاً لسوريا ومصر الأولوية في كل ما يحصل. الخلل العسكري الذي وقع في سوريا لمصلحة النظام الأسدي، يجب أن يتراجع، ليس من الموقف العدائي للنظام ولكن، لأنّ هذا النظام أثبت أن أي نجاح يحققه يدفعه أكثر فأكثر إلى المزيد من الضرب بقوّة وقسوة على أمل تحقيق الانتصار الممنوع. أيضاً أنّ رأس هذا النظام بشار الأسد لم يتعلم شيئاً من التجارب المرّة والدامية التي تعيشها سوريا منذ 28 شهراً. ما زال الأسد يعتبر انّ المشكلة إدارية، وأنّ تحسين الأداء الإداري ينهي الأزمة. الأسوأ أنّه حتى في هذا يعمد في التغيير إلى التغيير الأسوأ. ما يسمّى بالقيادة القطرية الجديدة ليست إلا صورة مهزوزة وضحلة لما هو الأسد وما يريده لسوريا.
أمام سوريا، صيف مشتعل الهدف منه كسر إرادة الأسد ومَن يدعمه أي إيران وروسيا وحزب الله والميليشيات العراقية الشيعية. دون ذلك، لن يتحقق أي حل ولن يعقد مؤتمر جنيف-2. أيضاً وهو مهم جداً، دون أن تحقق المعارضة السورية والجيش الحر حضوراً ليؤهّلها للجلوس إلى طاولة المفاوضات، لا مؤتمر ولا تقدم. الصدام بين الجيش السوري الحر والنصرة واخواتها واقع لا محالة. هذا الصدام الدموي هو الطريق الضروري للفصل بين الثورة والثوار والنصرة والقاعدة. هذا الانفصال هو جزء من الطريق إلى خروج الإدارة الاوبامية من عملية لحس المبرد التي قامت بها بحجّة أنّها لا تعرف لمَن سيصل السلاح، بينما في الواقع لم ترصد استعداداً وقبولاً إسرائيلياً بسقوط بشار الأسد ونظامه الأسدي.
لبنان، الذي يتنقل بين الألغام لن يرتاح هذا الصيف. التفجير الإرهابي في الضاحية الجنوبية رسالة. السؤال هل ستتبعها رسائل أكبر وأكثر دموية؟ انخراط حزب الله في معارك حمص بعد القصير أكد أنّ الحزب لم يكن يدافع عن الحدود الشمالية للبقاع ولا عن الشيعة في القرى السورية اللبنانية. انخراط الحزب، جاء تنفيذاً لأمر من الولي الفقيه في طهران. تنفيذ هذا الأمر حوّل المقاومة ضدّ العدو الإسرائيلي التي أعطت للبنان والعرب أزهى أيام النصر، عن وجهتها وأضاع دورها. حزب الله خسر المقاومة ولم يربح حتى بطاقة المشاركة في صياغة الحل. لا شك أنّ كلفة إعادة بوصلة الحزب إلى الوجهة الصحيحة التي وُلد من أجلها ستكون عالية جداً. بقتاله في حمص وفي حلب، فإنّ الحزب حفر خندقاً عميقاً بينه وبين غالبية الشعب السوري والأغلبية المطلقة من السُنَّة.
ربما إيران قد حققت كسباً على طريق إنشاء الهلال الإيراني وليس الهلال الشيعي. لكن المعركة مفتوحة على مصراعيها. إيران اليوم هي الاتحاد السوفياتي للشرق الأوسط، ولكنها أيضاً هي الاتحاد السوفياتي الذي ينتظر وصول غورباتشوفها، بعد أن وصلت الأزمة فيها إلى القمّة، عندما يعترف بعض سياسييها: ان الخزينة خاوية، وعندما لا يقبض العمال في مجمع قزوين الصناعي رواتبهم طوال أكثر من سنة، وعندما تقفل ثلث المصانع إما بسبب عدم القدرة على شراء المواد الأولية أو عدم امكانية التصدير، في وقت لا يتوقف التبذير غير المسبوق على صناعة الصواريخ وغيرها، يعني أنّ الحل إما التغيير العميق من داخل النظام، أو التغيير الانقلابي أيضاً ولو من داخل النظام على غرار غورباتشوف الروسي.
تبقى مصر في قلب القوس. ما تعيشه مصر من تحولات ستكون تردداته عميقة وشاملة على مساحة الوطن العربي. الاخوان المسلمون هُزموا في معركة أساسية ومفصلية، ما لم يعرفوا كيف يتقبلون الهزيمة في معركة، سيخسرون الحرب ومعهم كل الإسلام السياسي. مصر لن تكون جزائر ثانية ولن تتجزأر. على الجيش أيضاً أن يعرف متى وكيف يخرج من دائرة النار التي دخل فيها بإرادته لدعم ثورة 30 يونيو، لأنّ الحالة الانقلابية الكاملة لم تعد مقبولة.
مسارعة السعودية والامارات والكويت إلى ضخّ 12 ملياراً في الاقتصاد المصري قبل أن تثبت واشنطن على موقف نهائي من ثورة 30 يونيو، تحول استراتيجي مهم جداً. هذا الموقف سيجعل مصر تقف على رجليها في خضم هذا الإعصار الذي يجتاح المنطقة. من الضروري متابعة دعم مصر إلى النهاية. كلما قويت مصر وتجاوزت الإعصار الذي يلتف عليها، تم تسريع خروج المنطقة وخصوصاً سوريا من مستنقع الدماء. مصر القوية، قوّة للعرب، خصوصاً بعد أن تأكد الجميع ان غيابها فتح الطريق أمام قيام مثلث أمني مشكل من تركيا وإيران وإسرائيل يتحكّم بوجهة كل المسارات التي تسلكها دول المنطقة العربية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.