مؤتمر جنيف -2 مؤجل. الأرجح أنه لن يُعقد هذا العام. الترجمة المباشرة لهذا التأجيل، المزيد من التصعيد العسكري في سوريا، ولكن أيضاً مزيد من التصعيد السياسي والأمني على مساحة المنطقة. لم يحن الوقت بعد للحلول النهائية. كل شيء قابل للتأكيد والتثبيت وفي الوقت نفسه للنفي والإلغاء. في كل حدث، يوجد الضدّ وضدّه. الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن من جهة، والمواجهات الساخنة مباشرة أو بالواسطة بين القوى الإقليمية، تدفع المنطقة نحو المزيد من الاضطرابات.
سوريا التي كنّا وكان العالم يعرفها، انتهت. احتضرت بسرعة. الأسديون والممانعون، يفاخرون بأنّ بشار الأسد بقي ولو فوق ركام المدن والقرى السورية المهدّمة. لا يهمّهم الشعب السوري، ما يهمّهم سوريا، وسيلة وسلاحاً في وجه الآخرين. ما زال مشروع الشرق الأوسط الكبير مطروحاً. نقطة بدايته سوريا وليس العراق. الأسد يريد سوريا له. ليس مهماً أن تكون كما كانت عندما ورثها من والده حافظ الأسد. المساهم الأكبر في مشروع الشرق الأوسط الكبير هو بشار الأسد. تركيز القوّات الأسدية على إقامة هلال يمتد من الجبل العلوي على الحدود التركية والشريط البحري إلى دمشق عبر حمص القصير تلكلخ واضح جداً. كل عمليات القصف بالطيران وببراميل الطن من المتفجرات هدفها الأساسي إحداث موجات تهجير سكاني تمهيداً لتنفيذ مخطط يعيد صيغة التركيبة الديموغرافية لكل هذا الهلال. سقوط حمص، يؤكد هذا المسار الخطير. يعتقد الأسد بأنّه إذا حصل على هذا الهلال يمكنه متابعة خطته في قضم وهضم باقي المناطق العاصية عليه خصوصاً وأنّ التحولات التي ساعدته القصف بالطيران يمكن أن تساعده في معاركه اللاحقة. مشكلة الأسد أنّه يؤمن بالمتغيّرات كثيراً ويعتقد بأنّه قادر على تحويلها إلى ثوابت، علماً أنّ المتغيرات في الشرق هي القاعدة خصوصاً في زمن الربيع العربي.
لبنان تحت خيمة دولية وعربية تمنع تفجيره، لكن هذا لا يمنع ولا يحول دون أن يكون الحديقة الأمنية الخلفية لسوريا. انخراط حزب الله في الحرب ضمن خطة مبرمجة، ثبّت هذا الانزلاق. تفجير الضاحية وتفجيرَا شتورة ومجدل عنجر، تؤكد كلها أنّ حديقة الحزب مليئة بالشوك وبالألغام. مهما فعل الحزب لن يستطيع ضمان جبهته الداخلية. كلما ذهب بعيداً في الهجوم لردّ الهجوم عليه تعدّدت وتزايدت ثغراته الأمنية، مما يسهّل عملية اختراق ملعبه وتوجيه ضربات موجعة له ولحاضنته الشعبية. يستطيع الحزب المراهنة على الوقت لكسب مزيد من المواقع، لكنه لا يستطيع المراهنة إلى الأبد. لبنان، بدأ يحتضر اقتصادياً. لا يمكن المراهنة على صمت المحتضرين لبناء موقف. الاقتصاد الريعي الذي ينفّذه الحزب في الجنوب والضاحية والبقاع، سياسة موقتة غير منتجة وغير قادرة على الاستمرار.
حاجة المرشد آية الله علي خامنئي للحزب أكثر من أي وقت مضى، يُضعف الحزب ولا يقوّيه. المرشد بحاجة إليه للمحافظة على سوريا له كما كانت، وليس للمواجهة مع إسرائيل وتحرير فلسطين. مهما قال الحزب إنّ تحرير القصير يدعم المقاومة، فإنّ إسقاط حمص يضعفه. اليوم يوجد أكثر من مليون سوري سنّي نازح في لبنان. غداً قد يصبحون مليونين. الأسد ينفذ سياسة تغيير ديموغرافي في سوريا، ولبنان يتلقى تردّدات هذه السياسة، شاء أم أبى الحزب ومعه الجنرال عون، لبنان ينزلق بسرعة في عملية معقّدة من التغيير السكاني. أيضاً وهو واقع سوريا، اليوم مشكلة إيرانية داخلية، النقاش حول الموقف منها قوي جداً. في الوقت الذي يشدّد المرشد على دعم ومساندة الأسد، فإنّ الرئيس حسن روحاني يشدّد على التحالف العميق والقوي مع الشعب السوري العظيم. تطوّرات الوضع الداخلي الإيراني ستحسم الخيارات الأخيرة لإيران، والحزب سيكون جزءاً من نتائج الحسم وليس طرفاً في الحسم.
مصر، تبقى المركز في الوطن العربي. سقوط نظام الإخوان لا يعني نهاية الإخوان المسلمين، إلا إذا ركبوا رأسهم وجرّبوا العنف. تجربة مصر فريدة وهي مهمّة جداً، وستبنى على نتائجها الكثير من المتغيّرات في المنطقة. كلما استقرت مصر بسرعة كلما ساهمت في تصحيح مسارات المنطقة.
في حرب مثل الحرب في سوريا، لا يوجد منتصر دائم ولا خاسر دائم. كل شيء قابل للتغيير. مشكلة حزب الله أنّه بنى كل استراتيجيته على الانتصار في سوريا. انتصاره في معركة القصير أغراه بالانخراط أكثر فأكثر في الحرب، لذلك متى وقعت التحوّلات ستكون خسارته مزدوجة. المهم أنّه من الآن وحتى تُحسم الحرب في سوريا، فإنّ الحزب انخرط في حرب استنزاف حقيقية لا يمكن أن يخرج منها كما كان قبل قراره بالحرب. ومن الآن وحتى تتوضّح خريطة الطريق الجديدة فإنّ لبنان ضحيّة عملية استنزاف سياسية واقتصادية، قد لا يخرج بدوره منها كما كان.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.