8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الحل يكون شرق أوسطياً أو لا يكون

ليس من الواقعية بشيء، التفاؤل بنجاح أي مفاوضات فلسطينية اسرائيلية، حول حل نهائي وشامل، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للعيش. فشل تجارب الماضي، خصوصاً اتفاق أوسلو، وضع نقطة ختام على سطر التفاؤل. اسرائيل قوية، والفلسطينيون ضعفاء، والعرب أضعف، والمجتمع الدولي في خبر كان، في ظل الحرب الباردة المتجدّدة، واعتبار موسكو أن كل مستقبلها في الشرق الأوسط معلّق على مستقبل بشار الأسد وفي أحسن الاحتمالات النظام الأسدي.
رغم هذه الواقعية الشديدة، فإن محاولة الادارة الأوبامية اطلاق عملية سلام جديدة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، تستحق المتابعة، فإن نجحت فخيراً، وإن فشلت فإلى مزيد من الدروس المستفادة، للبناء عليها مستقبلاً.
النجاح الوحيد الذي تحقّق حتى الآن، حققه جون كيري وزير الخارجية الأميركي لنفسه. من حق كيري أن يدخل على رئيسه باراك أوباما سعيداً، فهو نجح حيث فشلت هيلاري كلينتون، بعد أن قام بست رحلات مكوكية في أربعة أشهر، وفي ظل انسحاب أوباما من كل منطقة الشرق الأوسط.
غداً إذا انعقدت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية فإنها ستنطلق من اتفاق لا يزال قيد الإعداد، أي المفاوضات ما زالت في بداياتها. الطريف أن ما يقال عن بداية اتفاق حول المفاوضات على أساس حدود 4 حزيران 1967 ما زال موضع نفي أو قبول مع كثير من التحفظ. الانقسام حول المفاوضات ليس فلسطينياً فقط، وانما أيضاً هو اسرائيلي اسرائيلي.
المؤلم، أن الجميع يراهن على ضعف الفلسطينيين، لإنجاح المفاوضات، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لا يملك أوراقاً تجعله في موقع قوة, فشل المفاوضات هو الذي يمنحه القوة. أيضاً خصمه الفلسطيني الكبير حركة حماس في أسوأ وضع لها منذ قيامها. في خلال سنة تقريباً خسرت سوريا وإيران ومصر، وأصبحت محاصرة وعارية في غزة، لا يمكنها الحرب ولا باستطاعتها الرفض للرفض، أو حتى بانتظار المتغيرات. أملها الوحيد في فشل أبو مازن والسلطة الفلسطينية، ورهانها الكبير على موقف اليمين الاسرائيلي المتطرف المتصلب لنسف المفاوضات.
كل ملف من ملفات المفاوضات، يشكل لغماً يتطلب تفكيكه الكثير من الخيال والارادات والاستعداد للمغامرة بالكثير من المكاسب الموقتة. الحل النهائي يتطلب شجاعة تاريخية لا يملكها أحد في اسرائيل وفلسطين حالياً. أكثر من ذلك فإنها بحاجة الى قادة بحجم الرئيس الشهيد ياسر عرفات واسحق رابين الذي دفع حياته ثمناً لمواقفه وهذا ما لا يملكه أبو مازن ولا نتنياهو معاً.
إسرائيل اليوم أقوى من الماضي، كل من حولها ضعيف، وهي الأقوى. رغم ذلك فإن في قوتها يكمن ضعفها، وهي مدركة لذلك. لم تعد في وجه اسرائيل جيوش عربية كلاسيكية لتحاربها في حروب كلاسيكية من نوع حرب رمضان. ما بقي أمامها سوى تنظيمات وقوى مستقلة عسكرياً، مثل حزب الله. الحرب مع هذه القوى أسهل وأصعب في الوقت نفسه. كلفتها أقل، لكن الانتصار فيها نهائياً ليس سهلاً. لا بل يبدو مستحيلاً. حالياً تبدو اسرائيل التي تعيد صياغة جيشها على أساس مثل هذه المواجهات سعيدة بانكفاء حركة حماس، وفي تحوّل سوريا الى حرب استنزاف طويلة ومكلفة لحزب الله وللنصرة وأخواتها أي لكل من يمكن أن يهددها حاضراً ومستقبلاً. لذلك وهي تتابع دعمها لبقاء النظام الأسدي ضعيفاً، تعمل على استمرار حرب الاستنزاف بقوة. كل خسارة تقع لدى الحزب والنصرة والثوار، تشكل ربحاً مضموناً لها.
مهما يكن من طموح جون كيري لتحقيق نجاح حقيقي قبل الربيع من العام 2014، فإن مثل هذا الرهان يبقى ناقصاً، اذا لم يكن حلقة ولو أساسية من دائرة واسعة تضم حل كل مشاكل المنطقة.
الحل يكون شاملاً أو لا يكون. إذ كيف يمكن اقناع إيران بترك الجهاد وحتى حماس وحزب الله بالانخراط في مسار ينتج حلاً للقضية الفلسطينية، وهي ليست طرفاً أساسياً فيه؟ لا شك أن ايران ستطلب ثمناً مرتفعاً جداً للقبول بالحل، خصوصاً ما يتعلق بالملف النووي ونفوذها في العراق وسوريا ومستقبل حزب الله.
فهل واشنطن على استعداد لتأدية هذا الثمن، وماذا عن إسرائيل؟ صمود بشار الأسد ولو على حساب دماء السوريين يقوّيها.
في مرحلة تبدو فيه الادارة الأوبامية، وكأنها لا تريد التعامل مع الغسيل الوسخ للشرق الأوسط، فإن أوروبا تعمل على تعويض هذا الغياب. في فترة قصيرة وجّه الاتحاد الأوروبي رسالة قاسية لإسرائيل ولحزب الله. القرارات التي قرّرها الاتحاد الأوروبي والمتعلقة بوقف تمويل المشاريع والأبحاث وعدم تقديم المنح والجوائز لكل ما له علاقة بالمستوطنات وحتى منع تقديم القروض للشركات العاملة في المستوطنات هو كما وصفته اسرائيل إعلان حرب سياسية ضدها، إلى درجة يقال فيها بأن شيئاً ما انكسر مع أوروبا. أيضاً بالنسبة لحزب الله فإن وعاء العلاقات الهش اصلاً انكسر. ارتدادات هذا القرار سيكون صعباً، على الحزب وعلى الشيعة اللبنانيين عموماً. كل شيعي لبناني في أوروبا أصبح تحت المراقبة وقيد الملاحقة. عليه تقع أعباء اثبات براءته من الانتماء اليوم الى الجناح العسكري وغداً الى الحزب. مع أن الفرق بينهما ليس أكثر من شعرة معاوية.
كل يوم ينزلق فيه حزب الله إلى الحرب في سوريا، يؤكد خسارته على جميع المستويات من البشر الى المعنويات وصولاً الى اهتزاز صورته داخل حاضنته الشعبية. أما خارجياً فإن خسارته أكبر، لأنه وضع كل حاضنته الشعبية على خط الأنا، العلاقات المتوترة، من أجل بشار الأسد وأسطورة الممانعة والمقاومة ضاعت بوصلة المقاومة في ركام القصير أمس وفي القابون وحمص اليوم.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00