قمة الخبث الغربي، القول إن ما وقع في ميدان رابعة العدوية في القاهرة مجزرة ومذبحة في وقت يُغمض هذا الغرب عيونه، ويسدّ آذانه، ويًغلق فمه عن المجازر والمذابح اليومية في سوريا، المستمرة بلا توقف منذ 28 شهراً.
بلا أي تردّد، ولا تحفّظ، سقوط قتيل واحد برصاص الأمن أو الجيش المصري مرفوض ومُدان مثله في ذلك مثل أي سوري يسقط برصاص الجيش الأسدي، رغم أن الفارق كبير ولا يقارن بين الجيشين المصري والسوري. الأول وطني في خدمة مصر، ولذلك يتفاعل مع الشارع ويتكيّف مع نبضه. الثاني ميليشيا بلا ضمير تدرّبت في لبنان على قهر اللبنانيين وتأديبهم وقتلهم، وهو منذ مذبحة حماه على يد الرئيس الأب حافظ الأسد يقتل كل من يخالف نبضه، وكلّ من يخرج الى الشارع ولو للتنفّس.
لم يعرف الإخوان المسلمون، كيف يحافظون على النعمة بعد المحنة التي كابدوها طوال عقود. سقطوا بسرعة، لأنهم لم يعرفوا كيف يقيّمون ويتفاعلون مع نبض الشارع. انتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية بعد الحصول على غالبية البرلمان، جعلهم يتخيّلون أن أخونة وأسلمة النظام المصري الراسخ منذ عقود والمتشكّل في الدولة المصرية منذ سقى النيل أهله وزرعه، عملية بسيطة، فكانوا أن اصطدموا مثل البيضة بالصخرة.
بالمبدأ ما نتج عن الديموقراطية يجب ألا يسقط إلا بالديموقراطية. من ذلك أن محمد مرسي المنتخب شعبياً يجب ألا يُقال وأن يستمر في موقعه الى حين سقوطه في انتخابات رئاسية قادمة. لكن في زمن الربيع العربي، تعبيرات الديموقراطية تتجسّد خارج صناديق الاقتراع. مصر عاشت تعبيراً جديداً للديموقراطية هو ديموقراطية الأقدام. نزول ثلاثين مليون مصري إلى الميادين والشوارع هو اقتراع مباشر تحت مراقبة مباشرة من العالم. ديموقراطية الأقدام، هي التي قرّرت وعلى العالم أن يسير معها وليس فوقها. في مصر اليوم، أربع قوى ضخمة ستقرر مستقبل مصر:
[الشارع المصري، هو الأقوى بلا منازع. لا يستطيع أحد ادعاء ملكيته. وهو الذي يقود التغيير. مصر وحدها حاضراً ومستقبلاً هي التي تملك هذا المزيج الذي يمكن أن يكون في كل لحظة مع الشباب نوبة صاحي قادر على ضبط أي متسلل للإمساك بمصيره وسرقة القرار منه.
لذلك كما أسقط هذا الشارع الإخوان، لأنهم اعتقدوا أنهم قادرون على أخونة مصر، نظاماً ومجتمعاً، وأن يكون المرشد وليّ أمرهم، فإنه أيضاً قادر على إسقاط الفريق أول السيسي إذا اعتقد أنه جمال عبد الناصر الذي يتبعه الشعب المصري. قوة الشارع في مصر في تعدديته وفي وحدة حبّه لمصر في وقت واحد.
[الجيش المصري، هو اليوم أقوى حزب في مصر، فهو منظّم ومنضبط وكما يبدو لديه قيادة تعرف ماذا تريد. هذا الحزب الكبير قوته في ضعفه. غموض أهدافه، تجعل الالتفاف حوله واسعاً وقوياً من مختلف الفئات والأحزاب.
ضعفه في غموض قيادته سياسياً. حتى الآن، لا أحد يعرف على الأقل علناً، أي نظام وأي خط سياسي داخلي وخصوصاً خارجي يلتزم به. يخوض الجيش مواجهةً ضد حماس تحت بند محاربة الإرهاب, غير مفهومة. لا يكفي أن تكون حماس, إخوانية حتى تُشن الحرب ضدها. في الأساس, في قلب هذه الحرب، مستقبل غزة والغزاويين الفلسطينيين, والعلاقة مع إيران والأسد. أيضاً وهو مهم جداً، الحرب ضد الإرهاب في سيناء شرعية ومشروعة، ولكن اتهام المعارضة الإخوانية في رابعة العدوية بالإرهاب خطأ قاتل وغير مقبول.
[الإخوان المسلمون، من الصعب جداً وليس مستحيلاً أن يتقبّل الإخوان الهزيمة. قبولهم بها هو مثل شرب كأس السم باكراً. من الطبيعي أن يصعّدوا رفضهم حتى ينجحوا في مفاوضات بالنار مفروضة عليهم. الخطر في أن يغرقوا في تصعيدهم ليصبحوا أسرى لها، فيخسرون المستقبل بعد أن خسروا الحاضر. الإخوان خسروا حاضنتهم الشعبية في صعيد مصر وغيرها، لأنهم في نهجهم في أخونة مصر ومجتمعها، أطاحوا بأحد الأعمدة وهو رغيف العيش لهذه الحاضنة أي السياحة، وفي عدم نجاحهم في إخراج مصر من الفوضى ودفعها نحو الاستقرار أسقطوا العمود الثاني الذي تتشكل منه هذه الحاضنة الشعبية وهي الطبقة المتوسطة الواسعة والمنتشرة في المدن وفي أعماق مصر. اليوم إذا لم يفهم الإخوان أن تحريرهم لميدان رابعة العدوية ليس فقط بداية للمفاوضات الناجحة مع الآخر الذي رفضوه وهم في السلطة، والذي عليهم اليوم وغداً أن يعترفوا به حتى يقبل بهم، إنما هو مطلب معيشي واسع لأهل القاهرة، فإنهم سيتابعون انحدارهم. تجربة ساحة رياض الصلح في بيروت غذّت الذاكرة العربية. بقاء المعتصمين في الساحة ضرب رزق وشرائح واسعة من اللبنانيين، وأنتج مفاعيل أساسية في الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان. لذلك ممنوع أن يتحوّل ميدان رابعة العدوية في القاهرة إلى ساحة رياض الصلح، التي تشلّ القاهرة كما شلّ وسط بيروت.
[القوى المدنية. لقد صنعت هذه القوى في 23 تموز معجزة تجاوزت في ضخامتها معجزة 25 يناير. وهي قادرة على تكرار مثل هاتين المعجزتين. لكن ما فائدة المعجزات في عالم المتغيرات, إذا لم يتم ترجمتها سياسياً؟ في 25 يناير و30 يونيو سرق الإخوان الثورة لأن القوى المدنية كانت مشتتة، لا تمتلك الأطر ولا القيادات الشعبية. الآن وغداً هذه القوى معرّضة أكثر من السابق لخسارة معجزتها خصوصاً وأن الجيش أقوى الأحزاب لن يرفض السلطة إذا جاءته على صحن من ذهب.
على هذه القوى أن تتوحد وأن تتقدم بقوة وثبات نحو قيام دولة مصر الديمقراطية وليس دولة الجيش الديمقراطية، فالجيش والديموقراطية خطان متوازيان لا يلتقيان.
مصر هي المركز في الوطن العربي. كل ما يجري فيها، يرسم مسارات هذا الوطن الكبير.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.