سؤال كبير، يرافق تسلّم حسن روحاني الرئاسة: ماذا يستطيع أن يفعل، وأن يغيّر في السياسة الإيرانية، في نظام الولاية المطلقة لآية الله علي خامنئي؟
دستورياً ونظرياً، رئيس الجمهورية في إيران يملك ولا يحكم، في حين أنّ الولي الفقيه يملك ويحكم. لا يمكن للرئيس إلاّ العمل مع المرشد. ما يزيد من دقّة وضع الرئيس، أنّ المرشد خامنئي مضى عليه ربع قرن تقريباً في زعامة إيران، ممّا مكّنه من صناعة بيت السلطة على قياس بيته. ما ساعده على ذلك الخطاب الايديولوجي الخارج من الثورة، الذي لكثرة ما غرق في الأصولية المتشدّدة جمد العقل عنده كما قال النائب المحافظ علي مرتضى مطهري.
ثلاثة رؤساء عملوا تحت إمرة المرشد خامنئي، هم: هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وأحمدي نجاد. الأول حقق نصف نجاح، لكنه في النهاية حصد عداء رفيق دربه خامنئي. الثاني جاء إلى الرئاسة ومعه حلم الإصلاح فبقي حلماً لم ينفّذ. الثالث خضع مثل التلميذ لأستاذه طوال ولاية كاملة ثم تمرّد، وكاد يُطرد لو أنّ المرحلة لم تعد تسمح بذلك كما حصل مع أبو الحسن بني صدر. إذن، ما الذي يميّز الرئيس حسن روحاني عن الثلاثة حتى ينجح في تحقيق وتنفيذ الإصلاح وفرض الاعتدال نهجاً للسياسة في البلاد؟
حسن روحاني لم يصنعه المرشد رئيساً للبلاد، كما يتخيّل الكثيرون. أوضاع إيران كلها فتحت أمامه أبواب الفوز بالرئاسة. من وسطيته، إلى تشكّل تحالف واسع دعمه بقوّة، مؤلف من رفسنجاني، وخاتمي، وأغلبية المؤسسة الدينية في قم، وأكثرية البازار، وجزء مهم من الحرس الثوري الذي لا يريد مزيداً من التورّط في سوريا (كان 11 قائداً قد رفعوا رسالة لخامنئي في مطلع 2012 تحت عنوان لماذا وضعنا كل بيضنا في سلّة الأسد؟) إلى الإصلاحيين بكل مروحتهم الواسعة الى الأغلبية المطلقة من الطبقة المتوسطة الواسعة الانتشار والعميقة الجذور. هذا التحالف الواسع الذي لم يحصل عليه خاتمي والذي إن لم يحارب أحمدي نجاد فإنّه وقف منه موقف المتفرّج فالشامت، هو اليوم يقف وينشط بقوّة في دعم روحاني.
إيران بلا مبالغة، وكما قال مرشحون للرئاسة، بحاجة للإنقاذ. خوف المرشد خامنئي من أن يكون رفسنجاني هو المنقذ، دفعه لإبعاده عن الرئاسة بقوّة قرار مجلس صيانة الدستور، فكان أن ثأر رفسنجاني منه بعد 72 ساعة بانتخاب روحاني. إنقاذ إيران يكون أولاً أو لا يكون من نفسها. قوّة روحاني تكمن في أن:
[ المرشد خامنئي، يعرف أنّ وضع إيران صعب جداً دون حلول جذرية السفينة كلها معرّضة للغرق. لا يمكنه مهما بالغ الملتزمون به والمؤيدون له، أن ينفي مسؤوليته الأولى والكبيرة عن وصول إيران إلى حافة الهاوية، سيكون هو الأب الوحيد إذا غرقت لأنّ الآخرين سيهربون حكماً. ولايته المطلقة جعلت الرؤساء منفّذين لسياسته ونهجه. لا يمكن لخامنئي أن يقف في وجه نهج الإصلاح الذي يريد روحاني تحقيقه، لأنّ الفشل هذه المرّة ثمنة غالٍ جداً.
[ الأزمة الاقتصادية تبدو أرقامها الرسمية مخيفة، التضخم وصل إلى 45 بالمئة، والبطالة تجاوزت 20 بالمئة، والنمو انحدر إلى أقل من 2 بالمئة، كما أنّ أحمدي نجاد صرف 800 بليون دولار خلال ولايتيه، أي كامل إنتاج إيران من النفط. يكفي ما قاله وزير الزراعة السابق عيسى كلانتري لمعرفة حجم الكارثة: ليكن الله في عون روحاني، إذ سيرث بلداً مخازنه فارغة وموانئه خالية ومصرفه المركزي خاوٍ.
المشكلة أنّ الأزمة الاقتصادية مرتبطة جذرياً بمشكلة العلاقات مع الولايات المتحدة. الحوار مع الشيطان الأكبر والتوصّل إلى حلول جذرية للمشاكل العالقة معه منذ مطلع الثورة، شرّ لا بد منه ودونه تجذر الأزمة الاقتصادية إلى درجة الانفجار. الحوار المطلوب يجب أن يكون سياسياً وعلناً ورسمياً، وليس سرّاً بين الأجهزة الأمنية، لتحقيق تسويات أمنية ملوّنة بالسياسة. المرشد خامنئي قادر على ضبط ذئاب الأصوليين المتشدّدين الذين يعتقدون أنّ نجاح روحاني سينهي إمساكهم بالسلطة منذ نحو 16 سنة. قيام المرشد بهذا الدور يريح روحاني ويفتح الطريق أمامه نحو النجاح.
[ الرئيس روحاني لم يأتِ من الفراغ، الظروف الاستثنائية ساعدته في العودة إلى مقدّمة المسرح السياسي، بعد أن أُبعد نحو ثمانية أعوام. تدرّج روحاني منذ العام 1963 في العمل الثوري، وصعد مراتب الدولة كلها من العسكر إلى النيابة إلى الأمن فالديبلوماسية. وهو يعرف الأميركيين جيداً، إذ حضر إلى جانب هاشمي رفسنجاني اللقاء مع روبرت مكفرلين وما تبعها من الفضيحة التي عُرفت بإيران غيت، وفاوض عام 2003 حول الملف النووي وأنقذ بلاده من براثن الرئيس جورج بوش الذي كان يرغب بالهجوم على إيران قبل العراق. أيضاً وهو مهم جداً، لقد عمل أكثر من 15 سنة مع خامنئي خصوصاً عندما كان رئيساً لمجلس الأمن القومي، لذلك فإنّه يعرف شخصيته ونهجه وأسلوبه في الإدارة والسياسة، مما سيساعده كثيراً في إدارة التعاون معه بأقل مواجهات وصدامات ممكنة.
يبقى أنّ بناء جسور الثقة وهو الشرط الأوّل لنجاح روحاني من جهة وللحوار مع واشنطن من جهة اخرى، لا يمكن أن يتم بيد واحدة، هذا الانجاز يتطلب يدين. في الحالة الأولى مطلوب أن يتقدم خامنئي خطوات، وفي الثانية أن يتقدم باراك اوباما أكثر من خطوة.
الرئيس محمد خاتمي الذي يمزج بين السياسة والفلسفة، طالب ردّاً على الذين قالوا بأنّ الاعتدال يتعلّق بالطقس وليس بالسياسة، ألا يدفعوا إلى استبدال المعارِض بالمعانِد. هذا التحذير الهادئ وبالرمزية الإيرانية، يعني أنّ الوقوف في وجه إصلاحات الرئيس روحاني سيدفع البلاد نحو الانفجار.
أمام الرئيس روحاني مسار طويل مليء بالألغام. لكن الخيارات ضيّقة أمام الولي الفقيه، يساعد روحاني فينجح أو يحاربه فيخسر وتخسر معه ايران.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.