8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ثلاثة خُطَب وثلاثة مصائر

ثلاثة خُطب في توقيت واحد، لثلاثة المفروض أنّ ما يجمعهم أكثر ممّا يفرّقهم، لأنّهم يشكّلون متّحدين ومتضامنين ومتكافلين جبهة المقاومة والممانعة وهم: الرئيس حسن روحاني، والرئيس بشار الأسد، والسيد حسن نصرالله. لكن القراءة الهادئة والباردة للخُطَب الثلاثة، تؤشّر إلى أنّ الفرق كبير بين الثلاثة، ليس بسبب الموقع والمكان، وإنّما بسبب الهموم والمشاكل والرؤية المتكاملة للحلول. لذلك فإنّ نقطة القطع والوصل بين الثلاثة هي في تناقضهم وليس في وحدتهم. النقطة الأخرى والمهمّة هي أنّ الثلاثة مع بلدانهم يقفون أمام مفترق طرق، الخيارات أمامهم مصيرية ومستقبلية، وليست تمريراً لمرحلة أو لعباً في الوقت الضائع. الثلاثة أمام الحسم ضدّ الوقت وليس اللعب على الوقت.
الرئيس حسن روحاني، العائد إلى السلطة من بابها الواسع، يتسلم بلداً ودولة، مشاكلهما أكبر من طموحاته الضخمة التي قد تبدو مشروعة، لكن لا يكفي الطموح للنجاح، لأنّه أوّل ما يتطلبه الامكانات أو بالعامية السلاح. الرئيس روحاني الذي كان على دراية بالملفات والمشاكل الضخمة التي سيواجهها, أصبح الآن على معرفة كاملة بتفاصيلها، ولذلك فإنّه كل يوم سيخوض فيه امتحاناً صعباً مادته مليئة بالألغام، والمراقبة عليه ليست فقط لمساعدته وإنّما في أحيان كثيرة للضغط عليه وعرقلة تفكيره وتعطيل نهجه.
برنامج حكومة الدراية والأمل يتعامل مع شقي المشاكل من دون الفصل بينهما لأنّ حل الشق الداخلي متداخل مع الخارجي والعكس صحيح. حلّ المشكلة الاقتصادية متداخل مع مشكلة العلاقة مع العالم من محيطه الجغرافي إلى نهاية العالم أي الولايات المتحدة الأميركية. في كل ذلك لا يمكن لروحاني أن ينجح وحده، من دون رعاية وتعاون ودعم المرشد آية الله علي خامنئي له. يقبل المرشد بأن ينطلق قطار روحاني الإصلاحي داخلياً في تنفيذ عملية ضبط مبرمجة وحقيقية للأصوليين المتشدّدين، أو يقف في محطة وسط نفق لا خلاص منه ويقبل بالحوار السياسي والعلني والجاد على طريق مفاوضات حقيقية ومنتجة مع الإدارة الأميركية أو يتحفّظ باسم الأيديولوجية الثوروية فيفشل روحاني، في وقت يعرف الإيرانيون أنّ الأمل الذي يحمله الرئيس يلزمه حكماً إزالة الجدار القائم الذي كُتب عليه الشيطان الأكبر، أو يبقى هذا الجدار فيضيع الأمل وتغرق فيه البلاد؟
أمّا الرئيس بشار الاسد، فإنّ خطابه هو خطاب رئيس لا يعرف سوى القتال من أجل النصر على الآخر الذي لا يفرّق فيه الداخل عن الخارج. كل مَن يقاتل ضدّه هو إرهابي ومخرّب، أمّا الخارج فإنّه يكون معه أو ضدّه. مَن معه فهو تحت قيادته لأنّ سوريا تقود الحرب نيابة عن العالم، أو ضدّه لأنها لا تقبل بأقل من استعباد سوريا والسوريين لذلك هي عدو إرهابي إضافي.
الفرق كبير بين روحاني الذي يستعد لخوض حرب سلمية لإنقاذ بلاده من الأزمات التي تواجهها، ودفعها نحو الخروج من أمام مفترق الطرق المعقّد والمصيري، عن طريق التعامل مع هموم الناس بمسؤولية رجل الدولة، والأسد الذي تعامل منذ أن ورث سوريا من والده حافظ الاسد، بأنّه هو الذي يقرّر ما هي مشاكل الناس وماذا يعطيهم وماذا يحجب عنهم، مثلما قرّر أنّ معارضتهم له جزء من حرب كونية لا يمكن التعامل معها إلاّ بالغارات الجوّية وصواريخ سكود والبراميل المتفجرة من وزن الطن، والمعتقلات المفتوحة لمئات الألوف ومَن ينجو ولا تعجبه الإقامة فعليه النزوح إلى مخيمات الفقر والتشتّت في الخارج. الأسد يتعامل مع الشعب السوري والعالم على قاعدة مَن ليس معي فهو إرهابي يستحق القتل والموت.
أمّا السيد حسن نصر الله، الذي يعرف في أعماقه أنّ القصير وما بعدها خطفت منه المقاومة, وحوّلته إلى جزء من مشروع يقرّر تفاصيله وأهدافه الولي الفقيه، فإنّه حاول العودة إلى الينابيع، أي المقاومة وفلسطين، وهو العارف بعمق أنّ حاضنته الشعبية ليست على توافق واتفاق كامل مع فلسطين والفلسطينيين الذين يفاوضون اليوم ويكتفون بالمقاومة المدنية. لكن هذا لا يكفي أبداً لتفسير هذا الربط المفاجئ للسيد بين فلسطين وشيعة علي بن أبي طالب. وبعيداً عن كل زواريب السياسة الداخلية اللبنانية، فإنّ السيد الذي يعرف أنّ روحاني ومعه إيران في طريقه لصعود قطار المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية، أراد مخاطبة الآخر ابتداء من الإيراني وصولاً إلى أصغر واحد في حاضنته الشعبية، أنّ ما يصيب إيران والإيرانيين يصيب الشيعي اللبناني وينعكس إيجاباً أو سلباً على لبنان واللبنانيين. شيعة علي بن أبي طالب هم جسم واحد في السرّاء والضرّاء من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا. لم يعد أمام السيد حسن نصر الله سوى دفع ضريبة هذه الوحدة مهما علت كلفتها حتى يكون طرفاً في التسوية أو جزءاً من الحرب الشاملة.
شَعبان وطائفة أمام مفترق طرق مصيري. المشكلة المأزق أنّه في معادلة الشراكة والمشاركة، تبدو العلاقة بين الثلاثة غير متوازنة. يوجد رئيس يقرّر هو حسن روحاني، وآخران يتلقّيان.
الأسد لا خيار أمامه سوى الانتصار على شعبه أو الموت. أمّا السيد حسن نصر الله فإنّه قادر إذا انفتح على الحوار الجدّي والشفاف والواقعي على صناعة مستقبل أفضل لـشيعة علي بن أبي طالب وللبنان.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00